د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
قررت «أوبك بلس» في اجتماعها الوزاري الـ 39 للدول الأعضاء في منظمة أوبك والمشاركة من خارجها تأكيد مستوى الإنتاج الإجمالي من النفط الخام للدول الأعضاء حسبما تم الاتفاق عليه في الاجتماع الوزاري الـ 38 لمجموعة أوبك بلس وذلك حتى 31 ديسمبر 2026، وإعادة التأكيد على إطار التعاون الذي وقع في 10 ديسمبر 2016، مع تأكيد الصلاحيات الممنوحة للجنة الوزارية لمراقبة الإنتاج، لإجراء تقييم دقيق لأسواق النفط العالمية، ولمستويات الإنتاج، ولمستوى الالتزام بإعلان التعاون، علماً أن اجتماعات اللجنة الوزارية ستعقد كل شهرين، ويمكنها عقد اجتماعات إضافية، أو طلب عقد اجتماع وزاري بين أوبك والدول غير الأعضاء في أي وقت لمعالجة تطورات السوق، لتحقيق الالتزام الكامل والالتزام بآلية التعويض.
تم تكليف اللجنة لتقييم الطاقة الإنتاجية القصوى المستدامة للدول المشاركة، لاستخدامها مرجعاً لخطوط الإنتاج الأساسية لعام 2027 لجميع الدول على أن يتم عقد الاجتماع الوزاري الـ 40 في نوفمبر 2025، ومن المقرر أن تناقش الدول الـ 8 في تحالف أوبك بلس المعنية بالخفض الطوعي الذين أعلنوا عن تخفيضات طوعية إضافية في الإنتاج في 2023 بواقع 2.2 مليون برميل يومياً، بخلاف التخفيضات على مستوى المجموعة ككل ( السعودية، روسيا، العراق، الإمارات، الكويت، كازخستان، الجزائر، سلطنة عمان ) أعلنوا عن زيادة الإنتاج في يوليو 2025 قد تلغي ما تبقى من الخفض الأخير بحلول نهاية أكتوبر 2025 بعدما اتفق التحالف على زيادة إنتاج النفط 411 ألف برميل يومياً بداية من شهر يونيو 2025 لتعزيز إمدادات السوق.
هدف أوبك الأساسي الموازنة بين العرض والطلب في سوق النفط، وضمان كفاية الاستثمار في الإمدادات، منتجو الطاقة حذرون من انخفاض أسعار النفط دون 60 دولاراً للبرميل الذي سيؤدي بدوره إلى انخفاض الاستثمار وعدم تلبية احتياجات الكهرباء، وأن النفقات الرأسمالية للتوسعة بقطاع الغاز الطبيعي المسال الذي يحتاجه العالم وبشكل خاص أوروبا والتي تتطلب سعر نفط عند 70 أو 80 دولاراً للبرميل حسب تصريح وزير الطاقة القطري سعد الكعبي في منتدى قطر المنعقد بين 20-22 مايو 2025 الطريق إلى 2030 تحول الاقتصاد العالمي والذي يلقي المنتدى على التحولات الاقتصادية العالمية وأثر دول الخليج على تشكيل ملامح السنوات العشر المقبلة.
تتأثر أسعار النفط ليس فقط نتيجة التوازن بين العرض والطلب بل أيضاً نتيجة أحداث جيوسياسية واقتصادية فإثر الخلاف الأميركي - الصيني الجمركي انخفضت أسعار النفط إلى 59 دولاراً للبرميل، لكن بعدما تفاهم الجانبان على عقد مفاوضات في وقت لاحق ارتفع سعر النفط وسجل 67 دولاراً للبرميل، كما أن الحرب الروسية - الأوكرانية في عامها الرابع من المتوقع أن يترتب على هذه الحرب نتائج اتخاذ دول الاتحاد الأوروبي قراراً استراتيجياً مهماً بالتحول عن الدول التي كانت تستورد منها الغاز، ولكن هناك فرق بين أسعار النفط والغاز المستوردة من روسيا عبر الأنابيب وبين الغاز المستورد من أمريكا المسال باهظ الثمن، وسيترتب على وقف استيراد النفط والغاز من روسيا قرار جيوستراتيجي، لذلك أوروبا تبحث بشكل جدي عن دول مجلس التعاون الخليجي، ما جعلها تدعم استعادة استقرار سوريا ورفع العقوبات عنه من أجل أن يكون طريقاً لنقل الطاقة إليه من دول الخليج.
كما تشير التوقعات إلى أن إنتاج النفط الصخري الأمريكي يبلغ ذروته في 2027 التي استمرت نحو عقدين مع ارتفاع إنتاجه إلى 10 ملايين برميل يومياً ثم ينخفض إلى نحو 9.33 مليون برميل وفق توقعات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، ويؤكد رايان لانس الرئيس التنفيذي لكونوكو فيليبس وهي كبرى شركات الاستكشاف والتنقيب وإنتاج الطاقة إنه إذا ظلت أسعار النفط عند مستواها الحالي بين 60 و 65 دولاراً للبرميل فسيستقر إنتاج النفط الصخري الأميركي، ويخشى منتجو النفط الأميركي من تراجع الأسعار إذ تعد تكلفة إنتاج البرميل في الولايات المتحدة من بين الأعلى، خصوصاً بالنسبة إلى النفط الصخري الذي يساهم بنسبة 60 % من إجمالي إنتاج النفط الأمريكي البالغ ما بين 12 و 13 مليون برميل يومياً.
بدأ ترامب حملته الانتخابية على أمل قيادة طفرة نفطية أمريكية ووعد بإطلاق العنان للمزيد من عمليات الحفر والتنقيب لضمان هيمنة بلاده على قطاع الطاقة، لكن في حقيقة الأمر خفضت أكبر 20 شركة منتجة للنفط الصخري الأمريكي من بينها إكسون موبيل وشيفرون ميزانياتها للإنفاق الرأسمالي بحولي 1.8 مليار دولار حسب شركة أبحاث الطاقة إنفيروس، وقد تتجه العديد من الشركات للمزيد من الخفض حال هبوط الأسعار إلى مستوى 50 دولاراً للبرميل، وفي مقياس آخر لنشاط الحفر أوضحت بيانات شركة خدمات حقول النفط بيكر هيوز وصول عدد منصات التنقيب عن النفط الأمريكية إلى 465 منصة في الثالث والعشرين من مايو 2025 بانخفاض 32 منصة عن العام 2024.
على صعيد الإمدادات توقعت أوبك أن يرتفع المعروض من الخام إلى 120 مليون برميل يومياً بحلول منتصف القرن، من مستواه الحالي البالغ 102.2 مليون برميل يومياً، ويبقى الاستثمار التحدي الأساس، حيث يؤكد التقرير حجم الاستثمارات المطلوبة في النفط حتى 2050 بأكثر من 17.4 تريليون دولار، أي بمعدل 640 مليار دولار سنوياً، يستأثر قطاع الاستكشاف والتنقيب والإنتاج بحصة الأسد من هذه الاستثمارات بواقع 14.2 تريليون دولار، ونقص الاستثمارات يمكن أن يؤدي على المدى الطويل نمو الاقتصاد العالمي للخطر، لأن المنطقة الوحيدة القادرة على تلبية الطلب العالمي فقط الشرق الأوسط لترتفع الصادرات من 17.8 مليون برميل يومياً حالياً إلى 27 مليون برميل، بينما ينخفض الإنتاج في كل من أمريكا وروسيا وأفريقيا قد يرتفع في أمريكا اللاتينية من 4.2 مليون برميل يومياً إلى 6.5 مليون برميل يومياً.
***
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة أم القرى سابقاً