أحمد آدم
شهدت مصر، وبخاصة القاهرة وبعض المحافظات الساحلية عدة هزات أرضية محسوسة خلال شهري مايو ويونيو الجاري هذه الزلازل غالبًا ما كان مركزها في منطقة شرق البحر المتوسط وبالأخص بالقرب من جزيرة كريت أو اليونان وتركيا وهي منطقة نشطة زلزاليًا بسبب التقاء الصفائح التكتوينية ورغم أن مركز الزلزال يكون بعيدًا إلا أن عمق هذه الزلازل وطبيعة التربة الطينية في القاهرة يمكن أن تجعل الهزات محسوسة بقوة بالإضافة إلى هذه الزلازل الأقوى تحدث هزات أرضية أصغر في مناطق مختلفة من مصر مثل البحر الأحمر أو بالقرب من الغردقة لكنها غالبًا ما تكون ضعيفة جدًا ولا يشعر بها المواطنون. الدكتور عصام حجي العالم المصري في وكالة ناسا وهو شخصية ذات مصداقية علمية عالية صرح في مناسبات عديدة بتحذيرات جدية حول مخاطر التغيّرات المناخية وتأثيرها على المدن الساحلية المصرية خاصة الإسكندرية تصريحات الدكتور عصام حجي لا تركز فقط على الزلازل بشكل منفصل، بل على تضافر عدة عوامل تهدد الإسكندرية أهمها:
1- ارتفاع منسوب سطح البحر: هذا هو الخطر الأكبر والأكثر إلحاحًا نتيجة للاحتباس الحراري وذوبان الجليد يرتفع منسوب مياه البحر المتوسط بشكل مطرد والإسكندرية مدينة منخفضة جدًا ولها تاريخ طويل من الغرق وإعادة البناء.
2- هبوط الأرض: أشار الدكتور حجي وفريقه في دراستهم إلى أن الأرض التي بُنيت عليها الإسكندرية نفسها تشهد هبوطًا تدريجيًا هذا الهبوط بالإضافة لارتفاع منسوب البحر يجعل المدينة أكثر عرضة للغرق.
3- تآكل الشواطئ: الشواطئ الرملية في الإسكندرية تتآكل باستمرار مما يزيل الحواجز الطبيعية التي تحمي المدينة من مياه البحر.
4- تسلّل المياه المالحة إلى الأساسات: نتيجة لارتفاع منسوب البحر وتآكل الشواطئ تتسرّب المياه المالحة إلى طبقات المياه الجوفية تحت المدينة مما يؤدي إلى تآكل أساسات المباني وضعفها وبالتالي زيادة انهيارات العقارات.
5- العواصف والمنخفضات الجوية الشديدة: مع تغير المناخ تزداد شدة وتكرار العواصف والأمطار الغزيرة مما يزيد من مشكلة الفيضانات وتآكل الشواطئ.
الزلازل القوية التي تحدث في شرق البحر المتوسط (اليونان، كريت، تركيا) يمكن أن تتسبب في موجات مد بحري (تسونامي) وتاريخيًا تعرضت الإسكندرية لمثل هذه الموجات في الماضي مثل تسونامي عام 365 ميلادي وعلى الرغم من أن احتمالية حدوث تسونامي مدمر كبير في المتوسط أقل من المحيطات المفتوحة إلا أنها ليست معدومة إذا حدث زلزال قوي جدًا ومركزه تحت البحر بطريقة معينة يمكن أن يولد موجة تسونامي قد تصل إلى سواحل الإسكندرية. الدكتور حجي أشار إلى أن الخطورة تكمن في أن السواحل حاليًا أقل جاهزية لمواجهة مثل هذه الظواهر مقارنة بالماضي بسبب التوسع العمراني على الشريط الساحلي.
والقلق من غرق الإسكندرية ليس مجرد تكهن، بل هو نتيجة لدراسات علمية جادة يقوم بها خبراء مثل الدكتور عصام حجي وغيره من الباحثين في مصر والعالم المشكلة ليست فقط في «التسونامي» المحتمل، بل في مجموعة معقدة من التحديات المناخية والجيولوجية والبنائية التي تزيد من ضعف المدينة.
لقد ذكر في القرآن الكريم آية كريمة عالقة في ذهني منذ الصغر فعندما يقول الله سبحانه وتعالى: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ} (الأنبياء 44)، فلا بد أن نتدبر في كلامه سبحانه وتعالى في رأيي أن أطراف الأرض هي الشواطئ بما تشمله من مدن وجزر وننقصها من أطرافها هي عمليات النحر وكذلك غرق المدن الساحلية و اختفاء الجزر وهو تفسير منطقي يتوافق مع الحقائق العلمية التي نراها اليوم ولم يتطرق إليه علماء الدين لقد اختلف المفسرون قديمًا وحديثًا في تأويل معنى {نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}. فبعضهم فسرها بنقصان الكفر وزيادة رقعة الإسلام وأن الله ينقص من أرض الكافرين بفتحها للمسلمين بينما قال آخرون إن المراد هو نقصان أعمار البشر، حيث ينتقل الناس من الدنيا إلى الآخرة تدريجيًا كما فسرها البعض بنقصان البركة والثمار والخيرات من الأرض.
تفسيري بأن {أَطْرَافِهَا} تعني الشواطئ والجزر والأراضي الساحلية و{نَنقُصُهَا} تعني عمليات النحر والغرق واختفاء تلك المناطق تفسير منطقي يتناسب تمامًا مع ما نلاحظه في عصرنا هذا من تغير المناخ وارتفاع منسوب البحار وهذا يؤدي إلى غرق الأراضي المنخفضة والجزر الصغيرة وتراجع خطوط السواحل كما أن الأمواج والتيارات البحرية تقوم بنحت الشواطئ وسحب الرمال منها مما يقلِّل من مساحتها تدريجيًا التصحّر وزحف الرمال في بعض المناطق الداخلية قد يؤدي إلى نقصان المساحات الخضراء أو الصالحة للعيش.
هذا الربط بين الآية الكريمة والظواهر الجيولوجية والمناخية الحديثة يفتح بابًا واسعًا للتدبر في إعجاز القرآن الكريم الذي يمكن أن يحمل معاني متعددة تتكشف مع تقدم العلم والمعرفة فكلام الله أوسع من أن يحصره تفسير واحد في زمن معين هذا النوع من التفسير الذي يربط بين النص القرآني والظواهر الكونية التي نراها بأعيننا يضيف بعدًا عميقًا لفهمنا لكتاب الله فسبحان الله القاهر فوق عباده.