عبدالعزيز صالح الصالح
تعتبر الأخلاق الاجتماعيَّة أساس كل دعوة إيجابية متفاعلة مع ممارسات المرء في هذه الحياة، وبواسطة هذه الأخلاق تمارس المعاملات ويقع التفاهم بين البشر والتزام الإنسانيَّة بهذا النوع من الأخلاق والشعور بما يقتضيه ويهدف إليه من إشاعة الخير والمحبة بين النَّاس مما جعل الدَّعوة إلى التضامن الاجتماعيِّ شموليا وعاما لا تستقيم أحوال الأفراد والجماعات إلاَّ بها، ولا يتحقق للمجتمع طموحاته في التَّنمية والتّطور والتّقدم والارتقاء ما لم تسد فيه أخلاق التضامن الاجتماعيِّ وقد جاء الإسلام بدعوة عزَّزت ورسخت روح التَّضامن في نفوس النَّاس كافَّة، وجعلت بينهم مودَّة ورحمة وتكاتفا وتعاونا، وجاء فيه الحديث الصحيح عنه -صلى الله عليه وسلم-: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
وبعد هذه المقدمة القصيرة سوف أتحدث ولو بشكل مختصر عما يسود بين أهالي بلدة (عَرِقَة)، في تلك الحقبة الزمنيَّة التي عانوا فيها من شظف العيش وخشونة الحياة وقسوتها بحلوها ومرها حسب ما توصلت إليه من أصحاب المعرفة والخبرة والدراية عن أعمال إنسانيَّة راقية تسود بينهم، والتكافل يجسد التضامن الاجتماعيِّ تجسيداً حقيقياً يُساهم المرء على فعل الأعمال الإنسانيَّة الَّتي تنعكس بالتأمل والتَّفكر حتى تحولت إلى حقائق ناصعة البياض تضيف الشيء الجديد فتعمل على إثراء الذِّهن، وتألق الوجدان، وإخصاب التجربة الفكرية وتنمي إلى الفعل والمسؤوليَّة وتوقظ الضمير الإنساني، فالنَّاس في مجتمعاتهم بشكل عام يحتاجون إلى بعضهم بعضا في السَّرَّاء والضَّرَّاء في كافَّة شؤون الحياة، وهم في ترابطهم وتكاتفهم يشكلون قوَّة متماسكة وقوَّة ضاربة على السَّطح كالجيش لا تتم له قوَّة كاملة إلاَّ إذا كان كل فرد من أفراده يتحلى بالقوة الجسمية والمعنوية العالية. ولم تهتد إليه الأعمال الإنسانيَّة الاَّ بعد أن جاء به الإسلام الحنيف، وقد جاء هذا التشريع المحكم وجاءت معه أخلاق نفعية عزَّزت من مكانة الإنسانيَّة في الوجود، وغيَّرت كافَّة المفاهيم التعاملية بيِّن النَّاس فتحولت من العنف الى اللَّطف ومن القسوة إلى الرَّحمة والشفقة، ومن الاستغلال والاستبداد إلى الحرِّيَّة والعدالة والمساواة، فالتضامن الاجتماعيِّ شعور بواجب إنساني له علاقة وطيدة بضمير المرء المدرك فضلاً عن كونه أخلاقاً، ومن هنا يتضح الفرق بين التّضامن کواجب وشعور، أو كدافع عاطفي ناتج عن رهف الإحساس وداخل في باب الإحسان، فالمرء عندما يقوم بعمل إحساني فهو جانب تضامني وجوانب إنسانية وإشفاقية، لأن مسألة الإحسان مسألة اختيارية وتطوعية فيها شعور بالنعمة وشکر للمنعم على إنعامه، فهي عمليَّة شمولية لا حدود لها يمكن أن تتعدى الإنسان إلى الحيوان وإلى جميع المخلوقات المستحقة للرحمة والشفقة والإحسان عملاً بقوله تعالى: {وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} (77) سورة القصص.
ثم قال عزَّوجلَّ وهو أصدق القائلين: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (114) سورة النساء. وعبر هذه الأهداف السامية والغايات النبيلة والأعمال الجسام، استجاب النَّاس إلى هذه التوجيهات القيِّمة، فشاع خلق التّضامن بين النَّاس وهذب الإسلام هذا الخلق وجعله سامياً متكاملاً.