طلال آل عثيمين
قد يبدو المسرح للوهلة الأولى مجرد منصة للأداء الفني، لكن الواقع مختلف تماماً بالنسبة للشباب، فهو مساحة للتجربة، والتعليم والتكوين النفسي والاجتماعي.. الوقوف على المسرح يتطلب شجاعة داخلية، مواجهة النفس أولاً قبل الجمهور، وتجربة تحمل بداخلها دروساً عميقة. من خلال الأدوار المتعددة، يعيد الشاب ترتيب أفكاره، ويكتشف قدراته، ويتدرب على التعبير الواضح عن مشاعره، بل ويتعلم كيف ينظر إلى القضايا من زوايا مختلفة.
المسرح يقدم فرصة نادرة للشاب كي يتجاوز ما لا يستطيع تجاوزه في حياته اليومية، الخجل، الخوف من التعبير، الارتباك في المواجهة ما إن يقف على الخشبة، حتى يدخل تحدياً داخلياً يختبر فيه نفسه.
تتكون الثقة بالنفس تدريجياً من خلال التمرينات البروفات ومواجهة الجمهور؛ فيصبح الشاب أكثر تحكماً في صوته، أكثر وعياً بجسده، وأكثر قدرة على إيصال فكرته.
ولا يقدم المسرح دروساً نظرية، بل يعلم بالتجربة، فالشاب الذي يعمل ضمن فريق مسرحي يتعلم الالتزام، ضبط الوقت، احترام الآخر، التعامل مع ضغوط العمل، واحتواء الاختلافات. هذه المهارات تعرف اليوم باسم المهارات الناعمة، وهي من أهم المؤهلات التي يحتاجها أي شاب في سوق العمل أو العلاقات الإنسانية. في كل بروفة، تمرين على الصبر، في كل دورة تعلم للتقمص وفهم الآخر، وفي كل عرض اختبار حقيقي للانضباط الجماعي. وفي ظل هيمنة الشاشات، يشعر كثير من الشباب بالعزلة حتى داخل بيوتهم ومجتمعاتهم.
هنا، يأتي المسرح كفعل جماعي يعيد الربط بين الفرد ومحيطه، لا يمكن أن ينتج عرض مسرحي من طرف واحد، بل هو نتاج تفاعل مستمر بين أفراد متنوعين، يجمعهم هدف مشترك.
هذه البيئة الجماعية تتيح للشاب فرصة بناء صداقات صحية، والتدرب على الحوار والتسامح، والتعاون، مما يساهم في تحسين الصحة النفسية والتوازن العاطفي.
ومن المؤسف أن ينظر البعض إلى النشاط المسرحي كخيار ثانوي، أو مجرد نشاط لا منهجي». الحقيقة أن المسرح من أقوى الأدوات التربوية في بناء الإنسان، ففيه يتعلم الشاب ما لا تقدمه المناهج كيف يصغي كيف يتحدث، كيف يعبر، وكيف يقف بثقة على أرض الحياة..
إن تجربة المسرح تزرع في الشاب وعياً جديداً بذاته وبالآخرين هو لا يخرج من الدور الذي يلعبه كما دخل، بل يخرج أكثر فهماً لنفسه، وأكثر استعداداً لتقبُّل العالم كما هو، والسعي لتغييره.