كوثر الأربش
وسط تحديات مناخية واقتصادية غير مسبوقة، شهد موسم حج 2025 نجاحًا تنظيميًا استثنائيًا أكد قدرة المملكة العربية السعودية على إدارة أعقد وأكبر التجمعات البشرية السنوية في العالم. في وقتٍ يتجاوز فيه العالم أزمات متعاقبة، برزت مشاهد مكة هذا العام بوجهٍ أكثر انضباطًا وأعلى كفاءة.
بلغ عدد الحجاج هذا العام 1,673,230 حاجًا، وكانت هناك قصة نجاح تنظيمية فريدة. فقد كثّفت الجهات المسؤولة عن تنظيم الحج في السعودية إجراءاتها لمنع الحملات الوهمية والدخول غير النظامي، حيث تم إيقاف 269,678 شخصًا حاولوا التسلل إلى مكة بلا تصاريح حج رسمية. خطوة وصفت بالأكبر في تاريخ الحج الحديث، تعكس الجدية الصارمة في حماية الحجاج ومنظومة التنظيم.
والأمر الآخر الذي يقف خلف هذا النجاح غير المسبوق هو التقنيات الذكية أمام حرارة الصيف، فقد جاء موسم حج هذا العام تحت وطأة موجة حرّ بلغت ذروتها 41 درجة مئوية، مما دفع القائمين على شؤون الحجاج لاعتماد خطط طوارئ دقيقة شملت توزيع المظلات، إتاحة نقاط تبريد متنقلة، وتوفير إرشادات فورية للحجاج بلغات متعددة. كما فُرض للمرة الأولى منع اصطحاب الأطفال دون سن الثانية عشرة حفاظًا على سلامتهم وسط الزحام والطقس القاسي. إلى جانب هذه الإجراءات الميدانية، استعانت السعودية هذا الموسم بأنظمة مراقبة ذكية، تعتمد الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيّرة (درونز) لمتابعة حركة الحشود، ورصد أي اختناقات محتملة، وضمان التدخل السريع عند الطوارئ.
أما إنسانيًا، فقد حمل الموسم رسائل تضامن روحي بين الشعوب الإسلامية رغم تباين ظروفهم، في تجسيد حي لفريضة تجمع أكثر من مليون وستمئة ألف مسلم في مكان وزمان واحد، يتساوون في الطقوس والشعائر.
لقد حفل موسم الحج هذا العام بمعايير عالمية فلم يكن موسمًا اعتياديًا؛ بل تجربة إدارية نجحت فيها المملكة العربية السعودية في تثبيت مكانتها كأكثر دولة احترافًا في تنظيم أضخم تجمع بشري سنوي، وسط متغيرات مناخية وضغوط اقتصادية معقدة.
بين ضبط أمني محكم، تقنيات ذكية متقدمة، وخطط وقائية محكمة، سجّلت السعودية درسًا جديدًا في فن إدارة الحشود وضمان سلامتهم، لتبقى شعيرة الحج أحد أعظم الشواهد على قدرة الإنسان على التنظيم الجماعي مهما بلغت التحديات.