هياء الدكان
قد يبتلي الله الإنسان بغيره ليُظهر أحسنهم عملاً. فهل تأملت هذا في حياتك؟! الله سبحانه وتعالى قادر أن يجمع الطيبين ببعضهم، لكن كيف يكون الاختبار إذا لم تكن هناك تحديات؟ الله تعالى قادر سبحانه أن يجعل الطيب لا يتقابل في دنياه إلا مع طيب، لكن كيف ستكون وكيف سيكمل الآن الإنسان الآخر ويصحح، وكيف سيكون سببا طيبا في حياته وكيف تكون العاقبة للأحسن عملاً.
العلاقات التي نظنها صعبة قد تكون، في حقيقتها وعمقها لمن فكر، وسيلة للترقي والنمو فكل ابتلاء نمر به - سواء أكان في شريك حياة، أو صديق، أو زميل، أو حتى موقف عابر - إنما هو فرصة للنظر بعمق، وتعلم الصبر، والعمل، والرضا فالله يبتلي الناس بعضهم ببعض ليرى الأحسن عملاً ليلقى المنزلة التي يستحق.
الابتلاء ليس عقوبة، بل اختبار، والهدف منه ليس الألم، فالله هو أرحم الراحمين، بل هو امتحان للصدق والثبات، ليبلغ كل إنسان منزلته بحسب عمله وسعيه.
قال تعالى: {فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ} أي بادروا إلى الطاعات بكل حُب وسعي.
التميُز والتمكين لا يأتي عشوائيًا، بل يُهدى لمن صبر، وصدق، وبذل.. والجزاء يكون على قدر الجهد والإخلاص.. فكل من أحسن عمله، نال جزاءه مضاعفًا، وبارك الله له في دنياه وأخراه.
قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} (العنكبوت: 2)، وقال أيضًا: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } (البقرة: 155). في خضم الابتلاءات، يتغير الناس، وقد تتبدل معاملاتهم بحسب مناصبهم أو ظروفهم، لكن الإنسان الصادق لا يتغير، صفاؤه باقٍ، وسلوكه ثابت، يلجأ إلى الله في كل حين، لا يتلون مع الأيام ولا المناصب ولا الأماكن هو هو.
ومن أراد أن تزدهر حياته، فليُخلص القول والعمل.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} (التوبة: 119)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ الصِّدقَ يهدي إلى البرِّ، وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنةِ..».
فما من جهد صادق إلا وله ثمرة.
قال تعالى:{وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى} (النجم: 39-41).
وقد يرى الإنسان أثر سعيه في الدنيا قبل الآخرة: بركة في صحته، أو رزقه، أو ذريته، أو راحة في علاقاته أو عوضا جميلا، وهذا فضل من الله على من أحسن عمله وأخلص نيته.
لهذا كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ».
فلا تجعل الظروف تُعيقك، ولا الناس تُثنيك، استعن بالله وامضِ. كن صادقًا في نيتك، طيبًا في عملك، راضيًا في قلبك، واسأل الله التوفيق.
خذ نفسًا عميقًا، وقل: «يا رب، أنت حسبي وكفى»، ثم سر في طريقك، فالله لا يُضيع سعي المحسنين.
الابتلاء إذًا ليس إلا محطة ارتقاء، ومعبرًا إلى حياة أطيب، وأجر أعظم. قال تعالى: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} (القارعة: 6-7).
نسأل الله أن يجعلنا من عباده الصادقين، وأن يكتب لنا الخير حيث كان، ويجعلنا من أهل الميزان الراجح.
اللهم اجعلنا ومن نحب ممن شكر سعيه، ورضيت عنه وأرضيته، وذكرت اسمه في الملأ الأعلى، وباركت له في أهله وذريته وعلاقاته وعمله، وكتبت له القبول وحسن الأثر.. آمين يا رب العالمين.