ناصر زيدان التميمي
في ظلّ التغيرات المتسارعة التي يشهدها عالم اليوم، وتحت وطأة الانفتاح الثقافي والتقني الذي لا يعرف حدودًا، باتت تربية الجيل الجديد تحديًا معقّدًا يتطلب أدوات تربوية فعالة ومتوازنة. ومن أبرز تلك الأدوات التي أثبتت جدواها على مرّ العصور: سياسة العصا والجزرة، التي تقوم على المزج بين الثواب والعقاب، وبين الحزم واللين، بما يحقق التوازن النفسي والسلوكي المطلوب لدى الأبناء.
إنّ الاعتماد على اللين فقط في التربية، بدعوى تفهّم الجيل أو مواكبة العصر، يؤدي في كثير من الأحيان إلى نتائج عكسية، حيث يفقد الأبناء الإحساس بالمسؤولية، وتنعدم لديهم الحدود الفاصلة بين الصواب والخطأ، وعلى الجانب الآخر، فإن التشدد الزائد والاعتماد الكلي على العقاب يولّد شخصية منكسرة أو متمردة، تعاني من قلة الثقة بالنفس أو العدوانية. لذلك، لابد من تربية تجمع بين التحفيز والتقويم، بين الدعم والمحاسبة، وهو جوهر ما تعبّر عنه «العصا والجزرة» مع عدم الدعوة لعودتها من جديد بحالتها السابقة.
المقصود بـ»العصا» هنا ليس العنف الجسدي أو القسوة، وإنما الحزم المنضبط، الذي يضع الحدود ويوضح العواقب. أما «الجزرة» فهي رمز للتشجيع، والثناء، والتحفيز الإيجابي، الذي يدفع الطفل أو الشاب إلى تبني السلوك الحسن برغبة واقتناع. وعندما يُكافأ الطفل عند اجتهاده، ويُوجّه عند تقصيره، يتكوّن لديه وعي حقيقي بأن كل سلوك له نتيجة، وأن الحرية لا تعني الفوضى، بل تأتي مقرونة بالانضباط.
التربية السليمة لا تعني السيطرة، بل التوجيه، ولا تعني فرض الرأي، بل بناء الوعي. ومن خلال استخدام مفهوم أسلوب العصا والجزرة يستطيع المربّي أن يُنشئ جيلاً يتحلّى بالمسؤولية، والاحترام، والقدرة على اتخاذ القرار، لأنه نشأ في بيئة تفهمه وتدعمه، ولكنها لا تتهاون مع أخطائه.
لذلك فإن، الجيل الجديد لا يحتاج إلى تربية عشوائية تتأرجح بين الإفراط والتفريط، بل إلى رؤية تربوية متّزنة، تُراعي احتياجاته النفسية والعقلية، وتستخدم أدوات حكيمة تجمع بين الرحمة والحزم. ومن هنا، نقول وبكل يقين: لابد من العصا والجزرة في تربية الجيل الجديد.