د.خالد بن عبدالله الهزاع
تشهد المملكة العربية السعودية مرحلة تحول استثنائية، لم تعد تُقاس فيها التنمية بحجم المشاريع الــعــمــلاقــة فحسب، بل بما تحققه من تمكين الإنسان وبناء مجتمع حيوي نابض بالحياة، وتبرز هذه الرؤية بوضوح في مسار «رؤية السعودية 2030»، التي تقدم نموذجًا متفردًا يوازن ببراعة بين التقدّم الاقتصادي والازدهار الاجتماعي، واضعةً رفاهية المواطن والمقيم في صميم أهدافها.
في قطاع الإسكان الذي يُعد حجر الزاوية في تحقيق الاستقرار الأسري، تجلت الإنجازات بشكل لافت، فقد ارتفعت نسبة تملك الأسر السعودية لمساكنها في عام 2024 إلى 65.4%، متجاوزة المستهدفات السنوية، واقتربت بخطى واثقة من تحقيق طموحات الرؤية، ولم يكن هذا الإنجاز وليد المصادفة، بل ثمرة لمنظومة متكاملة من الحلول المبتكرة، أبرزها برنامج «سكني»، إلى جانب الشراكات الفاعلة مع القطاعين الخاص وغير الربحي، وبرامج الإسكان التنموي التي جسدت أسمى معاني التكافل، من خلال توفير مساكن كريمة للأسر الأشد حاجة بدعم كريم من أهل العطاء.
وفي مشهد يعكس نبض المجتمع السعودي وتماسكه، برز العمل التطوعي كأحد أعمدة النهضة المجتمعية، فقد تجاوز عدد المتطوعين حاجز 1.2 مليون فرد خلال عام 2024، محققين بذلك مستهدف الرؤية لعام 2030 قبل ست سنوات كاملة، في إنجاز يُعد شهادة على قوة العمل الجماعي وروح البذل. وعبر المنصة الوطنية للعمل التطوعي، تم توثيق أكثر من 80 مليون ساعة عطاء، مما أسهم في تعظيم الأثر المجتمعي وتوجيه الجهود نحو مسارات تنموية مستدامة.
أما على صعيد المسؤولية الاجتماعية للشركات، فلم تعد مجرّد إطار نظري أو مبادرات متفرقة، بل أصبحت ركيزة تنموية حقيقية، فقد شهد عام 2024 انخراط 72 % من الشركات الكبرى في برامج مجتمعية نوعية، ما أسهم في ارتقاء المملكة إلى المرتبة 16 عالميًا في مؤشر المسؤولية الاجتماعية، وهذا التقدم يعكس التزامًا وطنيًا مشتركًا من مختلف القطاعات في تجسيد مبادئ التكافل وتعزيز التنمية الشاملة.
وامتدت جهود التمكين لتشمل جميع فئات المجتمع دون استثناء؛ من الشباب والنساء إلى الأشخاص ذوي الإعاقة، من خلال مبادرات نوعية تدعم التعليم، وتطوّر المهارات، وتربط التدريب بسوق العمل، وتوفر منظومة رعاية صحية متكاملة. وقد أسهم ذلك في بناء بيئة محفزة وشاملة ترتقي بجودة الحياة، وتفتح الآفاق أمام الجميع للمساهمة الفاعلة في مسيرة التنمية.
بهذه الإنجازات المتكاملة، تثبت المملكة العربية السعودية في عام 2024 أن التنمية الحقيقية هي التي تضع الإنسان في قلب أولوياتها، وأن بناء مجتمع حيوي، مسؤول، ومتمكن هو أساس نهضتها. إنها قصة وطن يكتب فصول مجده بسواعد أبنائه وبناته، ويقدّم للعالم نموذجًا ملهمًا في التقدم الشامل، والتكافل المتين، والرؤية الطموحة نحو مستقبل أكثر إشراقًا وازدهارًا.