إبراهيم بن سليمان البلوي
الهياط بكل درجاته عبارة عن سلوكيات وممارسات خاطئة تصدر من بعض فئات المجتمع، وليس مقتصراً على طبقة معينة في مجتمعنا فتجد بعضهم ممن يفعلون هذه الأفعال أغنياء، والبعض من محدودي الدخل وقد تجد من يهايط يكاد يكون لا دخل مادي لديه، وهناك فئة منهم كانوا فقراء ورزقهم الله بمال خلال فترة قصيرة، ولكن لم يحمدوا الله ولم يشكروه وركبوا موجة الهياط. بالشكر تدوم النعم. قال الله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} سورة إبراهيم.
وغالباً تصدر هذه السلوكيات من أُناس يشعرون بالنقص، ويحاولون بشتى الطرق لفت الأنظار لهم، ومع ظهور منصات التواصل الاجتماعي انتشرت مقاطعهم بشكل لافت بين القاصي والداني ولاقت رواجاً بسبب مشاهير الفلس حتى يظن من يشاهدها في كافة الدول العربية أن ما يقوم به المهايطية أنها أفعال حميدة، وتدل على الكرم والبذل والعطاء، وللأسف إن بعض ممن يحملون مؤهلاتهم علمية أو مكانة مرموقة في المجتمع وقع في فخ الهياط إما بمشاركة حفلاتهم بالحضور والدعم المعنوي أو الانسياق بإقامة حفلات مماثلة، ومن وجهة نظري أن من أسوأ درجات الهياط ما يقوم به البعض من تصوير الطعام المقدم لضيفه أو سكب السمن والعسل على يد الضيف أثناء تناول الطعام ، وأيضاً التكاليف المبالغ فيها من الذبائح فقد يكون لديه ضيف واحد فقط ويذبح خمسة أو أكثر من الضأن وقعود أو أكثر فينتج عنه إسراف وتبذير وعدم إحسان للنعمة وهدر، وتكاليف مالية لا مبرر لها، وقد يتحمل الداعي ديوناً بسبب الهياط والبحث عن الشهرة، والبعض منهم تم إيقاف خدماته نتيجة ذلك.
بالله عليكم: هل هذا كرم أما ماذا؟! قال تعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ} [الأعراف:31].
إن ما يفعله الآباء والأجداد هو الكرم الحقيقي بعيداً عن التكلف والهياط ويقدمون ما تجود به نفسهم، وحسب المستطاع بكل ارتياح ونفس طيبة، وكانوا ينكرون من يتحدث عن ما قدمه للضيف من واجب للآخرين.
في هذا السياق، أذكر قصة مختصرة فيها من الكرم الحقيقي لرجل قبل 30 عاما، ظروفه المادية صعبة جاءه ضيف قبيل صلاة العشاء فجهز له عشاء حسب المتوفر من أكل المنزل بناءً على طلب الضيف تقديراً لظروفه، وتم طبخ ما لديهم من لحم قليل بالثلاجة، وجهز العشاء وقال لضيفه حياك الله «على الفال ويقفاه العقال» وهي جملة تعرف في البادية يتعذر فيها المضيف عن عدم قدرته على اكرام الضيف في نفس الوقت الذي قدم فيه لأنها قدم له الوجبة الجاهزة على فال الضيف ومن ثم لاحقاً يتم تقديم له واجب الضيافة الذي يستحقه، وفي قصتنا انتبه الضيف وأقسم بالله وتعذر للمستضيف عن تناول أي وجبة أخرى خلاف ما تم تقديمه، وعند جلوس الضيف وبداية الأكل طلب من المستضيف أن يُجلس ابنه اللي يبلغ من العمر ست سنوات تقريباً فرفض الأب أن يجلس الابن معهم وقال إن الأكل واجد باقي في الداخل فقال الابن بعفوية إن أمه وضعت كل الأكل في الصحن ولم يبق منه شيء فخجل الأب من تصرف ابنه، ويدل ذلك على الكرم الحقيقي بكل معانيه.
في الزمن الحالي تغير بعض الناس واصبح ما يسمونه كرماً وبذل وعطاء في نظرهم . هياطاً في نظر العقلاء.
نحتاج إلى وقفة صادقة وجادة من الجميع بدون استثناء لنبذ مثل هذه التصرفات التي ليست من الدين الإسلامي ولا تعكس قيمنا الأصيلة، وأن نتكاتف جميعاً بتوجيه النصح والإرشاد لمن يقوم بهذه التصرفات بالتي هي أحسن ، وعلى شيوخ القبائل وخطباء الجوامع مسؤولية كبيرة، ومن يتكرر منه هذا الأفعال سواء المهايطي أو من يدعمه مادياً ومعنوياً واعلامياً يتم الابلاغ عنه لجهات الاختصاص لاتخاذ اللازم بحقهم، والله الهادي إلى سواء السبيل.