علي الخزيم
* قبيل يوم عيد الاضحى المبارك تجلب بعض الأسر (حسب إمكاناتها) الأضحية - خروف العيد - لفناء المنزل، وتحتفي به ويستشعر الكبار المقاصد الشرعية للأضحية كما يستذكرون الراحلين من ذويهم عاقدين النية على إشراكهم بما سينالهم من رب العزة والجلال من الأجر المأمول، أما الصغار فيمضون الوقت للعناية بالخروف الطيب ويحرصون على تدليله وتغذيته بما يتوافر من أوراق خضراء كالخس والبقدونس، وشيء من الفواكه يختلسونه من ثلاجة المنزل لتحلية ريق الخروف المستمتع بيومه كأسعد أبناء جنسه.
* كان الخروف جَذِلا فرحا بذاك الواقع من الاهتمام البالغ ولم يعلم أن آلاف الخراف غيره تتمتع حينها بسويعات من رغد العيش والماء البارد، وربما بالغ بعض الأطفال وقدّم للخروف الضيف نصيبه من المرطبات والمثلجات، لكن هذه السعادة لن تدوم للأطفال ولا للخراف، لأن شروق شمس يوم عيد الأضحى سيكون الوقت الحاسم لأمر لم يكن يتوقعه الكبش، وما لن يستوعبه الأطفال مع سابق علمهم بما سيجري بعيد صلاة العيد!
* وبتلك الساعة سيكون الخروف اللطيف مرة أخرى سببًا لالتمام كثير من أفراد الأسرة حوله ليس لتقديم مزيد من شَهِي الطعام، بل لنهاية ِشرعها المولى سبحانه، وكثير من الأسر تحاول قدر الإمكان إبعاد الأطفال عن مشهد سفك الدم عند تَذكِية الخروف لئلا يتعرضوا لردّات فعل غير متوقعة تكون أحيانا عكسية سلبية وربما حادة في حالات نادرة، وأعرف من تتغير أحواله عند مشاهدة الدم وربما أصيب بالإغماء وذاك يعود بالغالب من تأثر سابق بمشاهدة دماء الذبائح بعمر الطفولة، أو لحوادث نتج عنها مشاهد دموية، وبعض أولياء أمور الصغار يشجعونهم على حضور ذبح الخروف لتعويدهم - كما يرون - على قوة التحمل والإفادة من أعمال الكبار بالأضاحي.
* الخروف -سابقا- الضّحيّة لاحقًا: كان وسيلة للاجتماع ولقيا أفراد الأسرة واقتراب قلوبهم من بعضها وتمازج مشاعرهم المُفعَمة بروحانية مراسم العيد والطمع بالثواب من رب العباد، الأنفس بالأعياد ومواسم الفرح والمناسبات السعيدة تتناسى ما بينها وما يشوبها من كَدَر العلاقات، ومن الخصومة وبدايات العداوات، وتمضي احتفالية العيد ويومه بين أسرة وأخرى جميلة تحفها مؤشرات الوئام وروابط القربى والرحم وحسن التواصل والمعايدات اللطيفة، غير أن هناك من يمارس الأدوار التمثيلية وسط تلك المراسم، بمعنى أنه لا يأبه - بحسب تفسيره هو- بالمجاملات الزائفة ويُوقِن بقرارة نفسه أنه لن ينخدع برقيق العبارات ولطيف التّحيّات، وكأنه يُحدّث نفسه قائلاً: اُصمدي وكوني صلبة أمام هؤلاء، فإني لا أثق بأحد، لأني أرى ذاتي فوق الجميع وكما أخادعهم بذلك فلا مكان للثقة بهم.
* من لم يستوعب ويُدرك بوضوح المعاني السامية لمعنى العيد وما يستتبعه بشأن العلاقات الأسرية الاجتماعية الإنسانية، ومن لم يفهم ويتعلم المقاصد الشرعية للأضحية: فلعله من الأنسب له، ولراحة الآخرين، ألّا يكون بين الحضور من بداية مراسم العيد حتى نهايتها، لأنه لن يُضيف شيئا لنفسه ولا لغيره، ولأن غيابه وأمثاله عن هذا المشهد الكريم والملتقى الشريف أنقى لمشاعر الأسرة والأقارب، وليعيشوا الاحتفالية كجماعة (ما فيها نفس ثقيلة).