د.محسن بن علي الشهري
يلفتنا هذا العنوان إلى وجود علاقة بين الأمن الفكري بوصفه مفهوما تجريديا، والثقافة السعودية بوصفها سلوكا وممارسات، ولنقترب أكثر من العلاقة نبيّن المفهومين، ثم ندرج إلى بيان أوجه التعاطي بينهما.
يعرّف الأمن الفكري: بأنه السياج المانع من تسرب الشبهات والافتراءات التي تهدد أمن واستقرار المجتمع، وركائز تقدمه وازدهاره. وظاهر من التعريف المساق بأنه يتكون من شقين: الشق الأول: حاجز وحماية، والثاني: تقدم وازدهار.
أما مصطلح الثقافة فقد مر بتحولات إلى أن صار المعنى المتداول بأنه: الأنساق الفكرية التي تتشكل منها العادات والتقاليد والممارسات الممثلة لمجتمع ما، وهذه الأنساق تؤخذ من الدين واللغة والفنون. ومن هنا فإن العلاقة بين الأمن الفكري والثقافة السعودية تقوم على الجانبين في آن: الحماية، والتقدم والازدهار.
ترتكز الثقافة السعودية على الدين الإسلامي الذي يدعو إلى التوازن والاعتدال ويتمثل ذلك في الوسطية، والتسامح، ومواجهة الشبهات من خلال الحوار والتفكير النقدي المستند إلى القرآن والسنة، وتعزيز طلب العلم والمعرفة، والمحافظة على الهوية، والأخلاق والقيّم الاجتماعية، ومن شأن هذه القيّم إذا عُرفت حق المعرفة وطبقت أن تشكل درعا فكريا يحمي المجتمع من الأفكار المتطرفة أو الهدامة.
إن الثقافة السعودية بشتى تمظهراتها كما في الفنون الشعبية من العرضة النجدية، والسامري، والخطوة، والدحة، والفنون البصرية والتشكيلية، والأدب والشعر النبطي، والرسم، والنحت، والطبخ، وغيرها من الفنون ليست مجرد أفعال موروثة أو مبتكرة، بل إنها تتضمن ما يهذب النفس، وينمي فيها الحس الجمالي، ورهافة الشعور، والتفكير الإيجابي، فتكون أداة فعّالة لتعزيز الأمن الفكري من خلال تمكين الهوية، ونشر الوعي، والتأثير الإيجابي على المشاعر والأفكار، كما أنها توفر قنوات آمنة للتعبير عن المشاعر والأفكار.
إن رؤية المملكة 2030 تعزز الأمن الفكري من خلال تمكين الثقافة السعودية عبر دعم الفنون، والتراث، والمهرجانات الثقافية، وبرامج التثفيف الذي تقوم به هيئة التراث ووزارة الثقافة، وبرامج تنمية القدرات البشرية، والتشجيع على التفكير النقدي والابتكار، وكذلك تعزيز الحوار الوطني من خلال مركز الملك عبد العزيز للتواصل الحضاري الذي بدوره يعزز التفاهم بين مختلف شرائح المجتمع مما يسهم في بناء مجتمع متماسك قادر على مقاومة الأفكار المنحرفة، ومختلف الفعاليات الثقافية التي تعزز من الانتماء الوطني. وكذلك من خلال مؤسسات الدولة التي تعزز الأمن الفكري من مركز الحرب الفكرية التابع لوزراة الدفاع السعودية، والمركز العالمي لمكافحة التطرف (اعتدال)، ومجمع الملك سلمان للحديث النبوي الشريف، ومجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، والإدارة العامة للأمن الفكري التابع لرئاسة أمن الدولة، ووزارتي الثقافة والتعليم، والجهود في ذلك حثيثة ومستمرة؛ لتحصين الشباب من التطرف وتقديم برامج وقائية وعلاجية.
في ضوء ما تقدم تتجلى الثقافة السعودية التي تتغذى من ينابيع الإسلام والتراث الغني بالقيم الإنسانية النبيلة حصنا راسخا يحمي الأمن الفكري، فالثقافة السعودية بموروثها الفني والأدبي وممارساتها الاجتماعية درعٌ فكري تعزز المناعة الفكرية، وتصون المجتمع من الأفكار الهدامة، وترسخ الاعتدال والتسامح، كما تعضدها رؤية المملكة 2030 التي تعزز الفنون والتراث والحوار الوطني، والمؤسسات الوطنية لترسيخ الأمن الفكري، مما يجعل المجتمع السعودي نسيجًا متماسكًا، متسلحًا بالوعي والإبداع، قادرا على مواجهة التحديات وصناعة مستقبل مزدهر يعكس قوة الهوية وثبات القيم.