رسيني الرسيني
كيف يمكن توفير وسائل دفع آمنة لأكثر من مليون إنسان يحملون في جيبوهم عملات مختلفة من أنحاء العالم؟ أمر يتطلب منظومة عمل لتسهيل آلية التعامل المالي لتغطية نفقات ملايين الحجاج خلال وجودهم في مكة والمشاعر المقدسة.
في الماضي، كان الحجاج يعتمدون بشكل رئيسي على النقد الورقي والعملات المعدنية، حيث كانوا يحملون معهم مبالغ مالية كبيرة لشراء احتياجاتهم اليومية. هذا الأمر كان يعرّضهم لمخاطر متعددة، منها السرقة أو الفقدان، إلى جانب الصعوبة في تصريف العملات الأجنبية والتعامل مع فرق الأسعار من قبل المتاجر. ولمواجهة هذا التحدي، اتخذ البنك المركزي في عام 1372 هـ (1953م) خطوة تاريخية تمثّلت في إصدار «إيصالات الحجاج».
هذه الايصالات طرح منها أول إصدار من فئة العشرة ريالات، طُبع منها خمسة ملايين إيصال كطبعة أولى. وقد كُتبت على هذه الإيصالات عبارات متعددة بلغات الحجاج الشائعة آنذاك مثل العربية، والفارسية، والإنجليزية، والأردية، والتركية، وحتى اللغة المالاوية، مما يعكس جهود المملكة لتسهيل استخدام هذه الإيصالات في أوساط الحجاج من مختلف الجنسيات. إذ ساهمت هذه الخطوة في تقليل الاعتماد على النقد الأجنبي، وتيسير المعاملات المالية للحجاج. كما أنها مهدت الطريق لمزيد من التنظيم المالي في مواسم الحج كجزء من الجهود المبكرة لتعزيز الاستقرار النقدي وحماية الحجاج من مخاطر التعامل العشوائي بالعملات.
أما في السنوات الماضية، شهدت رحلة الحجاج نقلة نوعية في أنظمة الدفع الإلكتروني، حيث أصبح بإمكان الحجاج استخدام البطاقات البنكية، والمحافظ الرقمية، وخدمات الدفع عبر الجوال بسهولة في آلاف المتاجر ونقاط البيع المنتشرة في الحرم والمناطق المجاورة. كما ساهمت جهود البنك المركزي في إطلاق أنظمة متطورة لتسهيل الربط مع أنظمة الدفع الدولية وتيسير استخدام بطاقات الحجاج القادمين من الخارج. إذ عمل البنك المركزي على تمكين البنية التحتية المالية في مكة والمشاعر المقدسة، بالتعاون مع البنوك التجارية ومزودي خدمات الدفع، لضمان سرعة العمليات وسهولتها حتى في أوقات الذروة.
في هذا الموسم، أعلن البنك المركزي عن أرقام لافتة تعكس الجهود المبذولة لخدمة ضيوف الرحمن خلال عام 1446هـ، إذ بينت الأرقام وجود أكثر من 1200 جهاز صرف آلي موزعة بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، بالإضافة إلى أكثر من 50 مركز صرافة توفر صرف أكثر من 80 عملة حول العالم. كما وفرت الخدمات المصرفية والمالية بالفروع على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع دون توقف في المناطق المركزية، مما يوضح استمرار الجهود لتعزيز الشمول المالي وتوفير تجربة آمنة ومتكاملة لضيوف الرحمن.
حسنًا، ثم ماذا؟
من النقد، ومن ثم الايصالات وصولا إلى الرقمنة، جهود أكثر من سبعة عقود توضح التطور في قيادة عملية التحول لقطاع المدفوعات.