خالد بن حمد المالك
في كل يوم تقتل إسرائيل ما معدله خمسين شهيداً من مواطني غزة، أحياناً وهم يتسابقون للحصول على رغيف من الخبز لسد رمق جوعهم، وأحياناً وهم نيام بين مخلفات المباني المهدمة، في عدوان يرتقي إلى مستوى ما يؤكد أنها حرب إبادة ضد شعب أعزل من النساء والأطفال والمدنيين عموماً.
* *
هذه الجرائم تتكرر يومياً، وتأتي أمريكا لتمنع أي قرار دولي يدين إسرائيل على قيامها بهذه الجرائم باستخدام الـ(الفيتو) بحجة أنها تدافع عن نفسها، فيما تعلن ألمانيا بأنها سوف تواصل تزويد إسرائيل بالسلاح لمنع أي إضرار يلحق بها، بينما تكتفي بقية الدول بين صامت أخرس وأعمى وكأنه لا يرى ولا يسمع ما يجري، وبين مندد على استحياء، أو متفهم ظالم لما يحدث.
* *
في المقابل، هناك إجماع على تجريم حماس لاحتفاظها بالرهائن، وعدم استجابتها للمطالبة الإسرائيلية والدولية للإفراج عنهم، دون الإشارة إلى آلاف السجناء من الفلسطينيين في سجون إسرائيل، أي أن هذه الدول تكيل بمكيالين لصالح العدو الإسرائيلي ولا تبحث عن حلول لإخلاء الأراضي الفلسطينية من الاحتلال الإسرائيلي.
* *
تاريخياً، من الواضح أن إسرائيل لا تريد إنهاء حروبها، ولا تعمل لإيجاد أمن واستقرار في المنطقة، وترى أن لها مصلحة في عدم استتباب الأمن على حدودها مع الدول العربية، وأن هذه السياسة الإسرائيلية هدفها منع قيام دولة فلسطينية مجاورة لها على حدود 1967م بادعاء أن قيامها ينهي الوجود الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية عام 1948م.
* *
وأمام ذلك يتحدث البعض عن غياب العرب في مساندة حماس في حرب السابع من أكتوبر وما تلاها من عدوان وحشي إلى اليوم، وكأن العرب قد اُستشيروا أو نُسق معهم في هذه الحرب، وكأن المقصود إشغال الدول العربية عن تنميتها، وتوفير استقرارها، بحروب لم تُستأذن لها، وكأن عليها أن تقبل بالدخول في مغامرات تكون نتائجها كارثية كما حصل لقطاع غزة.
* *
لا أحد يجهل أن إسرائيل لا تحارب وحدها، وأنها دون الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، ما كان لها أن تحقق كل هذه الانتصارات الساحقة، فكيف يُطلب من الدول العربية محاربة دول العالم، وهي بما هي عليه من ضعف عسكري وقدرات قتالية، مقارنة بالدول الكبرى عسكرياً ممن تشارك إسرائيل في حروبها بشكل مباشر حيناً، وغير مباشر أحياناً أخرى.
* *
بعض الفصائل الفلسطينية كحماس والجهاد وغيرها قامتا بانقلاب على السلطة الفلسطينية، واستقلتا بقطاع غزة، ونسقتا مع إيران، وأعطتا ظهرهما للعرب، بل وسخرتا إعلامهما ومنابر المساجد في قطاع غزة في توجيه الاتهامات، واستخدام أسوأ الكلمات ضد الدول العربية، وخاصة المملكة ودول الخليج باتهامات باطلة، ومع هذا فإن هذه الدول هي التي دافعت بالمنابر الدولية، وتنظيم عقد المؤتمرات، والتردد على الدول الكبرى المؤثرة للدفاع عن فلسطين والفلسطينيين، ولكن دون أن تنغمس في حروب تضر بالقضية الفلسطينية أكثر مما تخدمها.
* *
بعد السابع من أكتوبر، أصبحنا أمام وهم كبير في قيام دولة فلسطينية، بينما المؤكد أن القضية الفلسطينية تراجعت أضعاف ما كانت عليه، وأصبح الشعب الفلسطيني مهدداً بالتهجير، ومعرضاً للإيذاء والإبادة، ولا يعامل كإنسان، ولا كشعب تحت الاحتلال، وما ذلك إلا لأن بعض النزوات والمغامرات لا يُحسن من يقوم بها تقدير تبعاتها الخطيرة.
* *
كلنا مع الشعب الفلسطيني، حمايته، وتمكينه من الحصول على حقوقه، مع قيام الدولة الفلسطينية الحرة القابلة للحياة، وعاصمتها القدس الشرقية، غير أن تحقيق ذلك لا يكون إلا من خلال العمل غير الارتجالي، ومن الانتصار غير الوقتي، ومن وضع يد الفلسطينيين بيد العرب لا بيد غيرهم، ومن الكف عن ابتزاز واستفزاز العرب بكلمات جارحة تصدر عن خطباء المساجد في غزة، ومن الإعلام الفلسطيني المعادي لدول عربية تعطي الأولوية من اهتماماتها وجهدها وعملها الدؤوب من أجل قيام دولة فلسطينية وفقاً لقرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية.