ناصر زيدان التميمي
عندما يقرر الموظف مغادرة عمله لأي سببٍ كان، سواء كان ذلك انتقالًا إلى وظيفة جديدة، تغيير مسار مهني، أو حتى تقاعدًا، فإن من أهم المراحل التي يجب أن يمر بها قبل المغادرة هي مرحلة نقل المعرفة.
هذه المرحلة الحساسة تُعد من أكثر المراحل تأثيرًا على استمرارية العمل داخل المؤسسة، وعلى من سيخلفه في أداء المهام والمسؤوليات.
نقل المعرفة ليس إجراء شكليا يتم في الأيام الأخيرة، بل هو مسؤولية مهنية تُعبر عن مدى احترافية الموظف والتزامه تجاه فريقه ومكان عمله. في كثير من الأحيان، يحمل الموظف المغادر معلومات لا توجد في أي دليل رسمي، وإنما تراكمت لديه عبر التجربة والتعامل اليومي مع المهام. هذا النوع من المعرفة يسمى بالمعرفة الضمنية، وهي غالبًا الأصعب في النقل، لكنها الأهم في ضمان استمرار الأداء بجودة عالية بعد المغادرة.
تبدأ عملية نقل المعرفة بفهم شامل لما يجب نقله: ما هي المهام التي يتولاها الموظف؟ ما الأنظمة التي يعمل عليها؟ ما المشكلات الشائعة التي يواجهها وكيف اعتاد على حلها؟ من هم أصحاب العلاقة الأساسيون الذين يعتمد عليهم في سير العمل؟ كل هذه الأسئلة تشكّل أساسًا لما يجب أن يتم توثيقه ومشاركته.
في العادة، يُنصح الموظف المغادر بتوثيق كل ما يمكن توثيقه كتابةً، سواء عبر مستندات أو دلائل إجرائية. وإن توفرت الإمكانية، فإن تسجيل مقاطع فيديو توضيحية حول المهام اليومية أو التعامل مع البرامج والأنظمة يمكن أن يكون أداة فعالة تسهّل على من بعده الفهم والتطبيق دون الحاجة للرجوع المتكرر.
إلى جانب ذلك، يُفضل أن يُتاح وقت كافٍ قبل المغادرة الفعلية ليقوم الموظف بتدريب خلفه أو الشخص البديل. هذا التدريب يمكن أن يكون عمليًا بحيث يتولى البديل المهام أمام الموظف، ويتلقى منه التغذية الراجعة المباشرة لتصحيح الأخطاء أو توضيح الخطوات الغامضة.
للأسف، كثير من المؤسسات لا تعطي هذا الجانب حقه، فتقع في فخ فقدان المعرفة فجأة بمجرد مغادرة الشخص المسؤول. وهذا يُكلّفها وقتًا وموارد في إعادة اكتشاف ما كان يُمكن نقله بسهولة لو تم التخطيط له مسبقًا. ولهذا، من المهم أن يكون نقل المعرفة جزءًا أصيلًا من ثقافة العمل، لا إجراء طارئ يُفعَّل فقط عند الاستقالة.
في النهاية، يمكن القول إن الموظف الذي يُتقن عملية نقل المعرفة قبل رحيله، لا يترك وراءه مجرد مكتب فارغ، بل يترك أثرًا حقيقيًا. يترك أسلوبًا، تفكيرًا، حلولًا، وعلاقات.. يترك قاعدة يمكن البناء عليها، بدلًا من البدء من الصفر. وهذا هو جوهر الاحتراف: أن تغادر، لكن تبقى قيمتك موجودة في العمل الذي يستمر من بعدك.