أوس أبو عطا
تواصلت حديثاً مع أحد الأقارب في قطاع غزّة الكسير الأسير، وسألته عن حاله، فأجاب: جائع. فبكيت
بعد مرور أكثر من 600 يوم على حرب الإبادة والتشريد والتجويع والتعطيش ضد الشعب الفلسطيني المسالم في قطاع غزّة، تجد هناك من يتحدث عن نصر مؤزر وأن إسرائيل لم تحقق أهدافها من الحرب، وأن ورقة الأسرى و الرهائن في غزة ورقة قوية جدا وأنها ستخضع الإسرائيليين وستجرّهم لبيت الطاعة وأنهم لا محالة سيتوسلوا الفلسطينيين.
رغم تصريحات الوزير المتطرف سيموتريتش أن الرهائن لدى حماس ليست أولويتهم، ولا أعتقد أن أي عاقل بحاجة لتصريح الوزير المتشدد، فكل تصرفات إسرائيل تؤكد بلا أدنى شك أن قضية الرهائن كانت ومازالت في المرتبة الثالثة أو الرابعة في سٌلم الأولويات الإسرائيلية.
فالأولوية اليوم هي لإفراغ قطاع غزّة وترحيل مواطنيه الفلسطينيين عن بكرة أبيهم، وذلك من خلال خلق ظروف لا إنسانية تجبرهم على الرحيل عن أرض آبائهم وأجدادهم وهذه هي الإستراتيجية الإسرائيلية الواضحة (الترحيل الطوعي). وبالتالي فاستعادة الرهائن والأسرى هو هدف تكتيكي إسرائيلي، وليس هدفا إستراتيجيا بطبيعة الحال.
وفي المقابل، نجد أن إسرائيل تعمل جاهدة على أن تظهر بوجهين متباينين، الأوّل بمظهر الدولة الديمقراطية والإنسانية أمام الرأي العالمي وأنها واحة الديمقراطية الغناء في صحراء الشرق المستبد، من خلال مسرحية محاكمة من تورطوا بالقتل العمد ضد المسعفين والفلسطينيين الذين هرعوا لمراكز المساعدات ونشر نتائج التحقيق على وسائل الإعلام.
وفي ذات الوقت تستخدم كل قوّاها الشرسة وعدوانيتها المتغطرسة لتُظهر وجهها الثاني والحقيقي أمام الفلسطينيين والعرب بأنها سوبرمان الشرق الأوسط والدولة الوحيدة فوق القانون الدولي، فهي تمنع دخول المساعدات وتخرّب وتقتّل بلا حسيب أو رقيب، وتستفز جيرانها العرب بتصرفاتها وتصريحاتها، ويستهدف عناصرها البعثات الدبلوماسية كما حصل في جنين، وتعتدي على الأراضي العربية وتتوغل بها، كما يحدث في سوريا حاليا.
وفي ذات الوقت نجد أن سياسة الغرب تظهر بأنهم ليسوا على عجلة من أمرهم بخصوص إيقاف محرقة غزّة، وهي تتساوق مع السياسة العسكرية الإسرائيلية الخطيرة، المتمثلة باحتلال أجزاء واسعة من قطاع غزّة بشكل دائم وعدم الانسحاب منها مستقبلا، مع تقسيمه جغرافيا مما يتيح للقوات الإسرائيلية المحتلة لقطاع غزّة حرية الحركة، والتعامل معه عسكريا كما يتم التعامل مع مناطق الضفة الغربية المحتلة، كعودة المستوطنات، وإقامة الحواجز، والتحكم بالمعابر، وخنق الحياة الاقتصادية وشلّها كيفما اتفق. وللعلم لا يوجد أي اقتصاد حاليا في قطاع غزّة من صناعة أو زراعة أو سوق عمل، فكل سكان غزّة يعيشون على المساعدات التي تدخل إليهم من المعابر بين حين وآخر.
ينبري الكثير من الكتاب والإعلاميين لتسليط الضوء على ما يحدث في الشارع الإسرائيلي من مظاهرات مناوئة لحكومة بنيامين نتنياهو وفي المقابل نجد أن قلّة قليلة من العرب يسلّطون الضوء على مآسي غزّة وكوارثها. وينتقدون من تسبب بكل هذه الكوارث والنكبات. حتى هؤلاء الشجعان القلّة يتعرضون لاتهامات ما أنزل الله بها من سلطان، كالعمالة والجاسوسية وأنهم يخدمون رواية الاحتلال، فالمطلوب من شعبنا الفلسطيني أن يكون ضد الموت وإن عانى ألا تظهر معاناته في الصحف و وسائل الإعلام.
باعتقادي، ليس هناك حاجة لتأكيد المؤكد، وتوثيق الموثّق، وتكرار العبارات الإسرائيلية مثل (الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت) و(أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)، وهي جميعها عبارات تحرّض على قتل الفلسطينيين وترحيلهم.
فاليوم وبعد خراب غزة، هل يمكن الحديث عن تكتيك واستراتيجية حماس بين النجاح والفشل النسبي والفشل الكلي، وأهدافها قريبة و بعيدة المدى، وهل تكتيك حماس خدم الإستراتيجية الفلسطينية أم خدم الاستراتيجية الإسرائيلية؟