عبد الله سليمان الطليان
كان الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لا يفرق في تعامله وحسن علاقاته مع الناس بين فقيرٍ وغني، النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحترم الجميع، ويتعامل معاملةً حسنةً مع الجميع، إنه كان لا يرغب، إنما كان يعلم الناسَ الخيرَ ويرشدهم، ولذلك كان مِن هديِه - صلى الله عليه وسلم - مجالسةُ الفقراء، فكان يجالسهم امتثالًا لقول الله تبارك وتعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (الكهف:28)، فامتثل الحبيبُ - صلى الله عليه وسلم - لهذه الوصيةِ، امتثل لهذه الوصيةِ من ربِّه فصبَّر نفسَه مع المؤمنين ولو كانوا فقراء، كان - صلى الله عليه وسلم - يجالس أمثال صهيب الرومي وبلال الحبشي وعمار وخباب بن الأرت وسلمان الفارسي وعبد الله بن مسعود، هؤلاء كلُّهم كانوا فقراءَ وكان منهم مَن كان عبدًا ومولى من الموالي أو كان تحت سلطة أهل مكة، وكان بعضُهم قد يلبس جِبابًا تفوح منها رائحة العرق لفقرهم، ومع ذلك لم يكن يستنكف مِن الجلوس معهم، أو مِن الحديث معهم والدفاع عنهم، لذلك لما جاء كبراءُ قريش يقولون للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا أردتَ أن نجلسَ إليك فأقم هؤلاء الأعْبُدَ واطرد هؤلاء مِن المجلس، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان هديُه ما قاله الله - عز وجل -: (وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ) (سورة هود: 29)، قالوا: خصص لنا مجلسًا نحن الأشرافَ وعليةَ القومِ ولا تجلسنا مع هؤلاء الضعفاء والفقراء لأنهم لا يليقون بنا، ومرَّ ملأٌ مِن قريش برسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قال بن مسعود - رضي الله عنه - وعنده صهيب وعمار وبلال وخباب وغير هؤلاء مِن ضعفاء المسلمين، فقالوا: يا محمد أرضيتَ بهؤلاء مِن قومك؟ يعني بدلًا مِن أن تجلس معنا نحن الذين نمثِّل عليةَ القوم، رضيتَ بالله والفقراء والمساكين هؤلاء الذين مَنَّ اللهُ عليهم مِن بيننا، نحن نكون تبعًا لهؤلاء؟! اطردهم عنك، فلعلك إن طردتهم نتبعك، كان - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «اللهم إني أسألك فعلَ الخيرات وتركَ المنكرات وحبَّ المساكين». رواه البخاري.
هذه سيرة أشرف الخلق مع الفقراء والمساكين أين هي الآن في واقعنا الذي نعيش فيه؟، حين تسمع كلمة ليس من مقامنا في الانتماء القبلي أو الثراء المادي وـنه (لا يملك شيئاً) وليس جديراً بالجلوس معه، مقامي أرفع، وهذا كما قلت سابقاً تغذى من كبير إلى صغير حتى ومن ذوي من يقرأ هذه السيرة مع الأسف ويحدث بها في خطبة أو مناسبة أو ندوة، تجد منه أحياناً الانتقاص باللمز والتلميح بكلام يعتبره نوعاً من الفكاهة، التي هي بعيدة كل البعد عن أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - وتظهر حقيقة تأصل روح التعالي القبلي المذموم.