خالد بن حمد المالك
ارتفع سقف التوتر خلال اليومين الماضيين بين إيران من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى، إثر تمسك إيران بحقها في التخصيب، وأن استخدام القوة الساحقة ضدها لن يغير من موقفها في ذلك، وإصرار الثنائي أمريكا وإسرائيل على رفض أي مساومة أو قبول في امتلاك إيران لتخصيب اليورانيوم، ما يؤدي بها إلى أن تكون دولة نووية، وثم تشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل، مع أن روسيا أبدت استعدادها لأخذ المواد النووية الزائدة لدى إيران للوصول إلى اتفاق بوقف التصعيد، غير أن إيران رفضت هذا العرض.
* *
كانت أمريكا تتوقع من إيران الاستجابة لطلبها بالتخلي عن حقها في التخصيب، إلا أن ردها على المقترح الأمريكي وصفه الرئيس ترمب بأنه موقف مختلف عما كانت عليه إيران قبل أيام، وأنها أصبحت أكثر حدة في المفاوضات، بما لم يترك فرصة أمام أمريكا للقول: بأن الحوار مع طهران سوف يفضي إلى حل هذه العقدة، وصولاً إلى تجنب الحرب التي تهدد بها إسرائيل إيران، حتى ولو كان ذلك دون تنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية.
* *
ظهر الرئيس الأمريكي محبطاً من مضمون الرد الإيراني، فيما كان يظن أنه يستطيع أن يبرم صفقة مع إيران، لكنه لم يغلق الباب أمام المفاوضات، وإن كان سارع إلى إجراء حوار مع رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو استغرق أربعين دقيقة خُصص عن إيران، وكان واضحاً من التسريبات الإسرائيلية أن نتنياهو مارس الضغط على ترامب لوقف أي حوار مستقبلي مع إيران، واللجوء إلى الخيار العسكري، غير أن الرئيس الأمريكي كان متمسكاً بإعطاء فرصة لحوار حدد موعده الأحد القادم، وربما يكون هو الحوار الأخير، قائلاً لنرَ ماذا سيحدث.
* *
جاء التشدد الإيراني حين سخر المرشد الأعلى من أمريكا بالقول إنها تهدد بالعقوبات الساحقة ولكنها عاجزة عن فرض الحصار، وأن إيران لن تخضع للإملاءات والظلم، خاصة بعد أن حصلت على معلومات استخباراتية مهمة جداً عن موقع المفاعل النووي الإسرائيلي، وهددت بأن أي ضربة يتعرض لها مفاعلها النووي فسوف يقابل ذلك بضرب المفاعل النووي الإسرائيلي، والقواعد العسكرية الأمريكية، وقد استخدم الإيرانيون لغة صارمة في تهديدهم لإسرائيل، ما كهرب الجو، وأثار الفزع والخوف.
* *
لكن لم تظهر أي بوادر لتعزيز عسكري أمريكي إضافي غير عادي لقواتها في المنطقة، ولم تبحر أساطيلها في عرض البحر إلى منطقة التوتر، وإلى منطقة الاشتباك المفترضة، واقتصر النشاط الأمريكي على تقليص بعثاتها الدبلوماسية في المنطقة، وترحيل العائلات والأسر تحسباً لتحديات أمنية، ما يعني أن أي هجوم ضد إيران ليس هذا وقته الآني، بانتظار نتائج مفاوضات يوم الأحد القادم في مسقط، طالما أن أمريكا لم تظهر حتى الآن أي استعدادات عسكرية لتدمير المفاعل النووي الإيراني بالقوة العسكرية الساحقة، وإن كان هذا الخيار لم يسقط بعد.
* *
ومن المؤكد أنه لا مصلحة لإيران في امتلاكها لقنبلة نووية، ولن تفيدها في الدفاع عن نفسها إذا ما تعرّضت لعدوان من أمريكا وإسرائيل، وفي المقابل، فإن امتلاك إسرائيل لقنبلة نووية كاستثناء من بين دول المنطقة غير مقبول، وليس له ما يبرره، وغض النظر عن مشروعها النووي، والتكتم عليه، وتجنب إثارة المعلومات عنه، هو من باب دعم امتلاك إسرائيل من القوة ما تهدد بها دول المنطقة.
* *
لا نتمنى أن تصل أمور حل الخلاف بين إيران وأمريكا إلى طريق مسدود، بل ومن المهم والضروري أن يتجه الطرفان نحو البحث عن حلول تساعد على إيقاف هذا التصعيد، ومنع أي تطور يقود إلى استخدام القوة العسكرية لمواجهة تعقيدات هذه الأزمة، وهذا يحتاج إلى تنازلات من كلا الطرفين، وإلى ممارسة أعلى درجات ضبط النفس، وتطويق كل ما يؤدي إلى إشعال مزيد من الحروب الإسرائيلية المنفلتة بالمنطقة.