محمد بن إبراهيم العرف
مصاعب الحياة كثيرة، ومتطلباتها أكثر، وتسارع أيامها يوهمنا أن الوقت يمضي ولن يكفي لتحقيق ما نريده. نعيشها وتغيب عن أعيننا نعم عظيمة فقدت بريقها لكثرة ما ألفناه حتى أصبحنا وكأننا لا نراها.
أعظم مصيبة، من وجهة نظري، تصيب الإنسان ليست الفقد بل الاعتياد؛ حين نعتاد على النعم ونظن أنها أمر طبيعي لا يستحق التأمل أو التوقف عنده أو الشكر عليه.
انظر وتأمل وتفكر: بيت يؤويك، طعام بلا خوف وعناء، ماء نظيف تشربه بلا تفكير، مكان دافئ في الشتاء وبارد في الصيف، أمن وأمان تتجول به ليلًا ونهارًا. هذه النعم ليست عادية، بل هي أعظم ما مَنَّ الله به علينا.
لنتذكر ونسترجع ما مر في زمان ليس ببعيد؛ تلك السنوات العصيبة التي اجتاحت نجد والخليج، وأشدها وطأة سنة الرحمة عام 1337هـ. في ذلك العام اجتمع على الناس الجوع والمرض، إذ تفشى الطاعون فحصد أرواح الآلاف وأفنى قرى ومدنًا بأكملها. حتى أن المشيعين اضطروا، من كثرة الوفيات، إلى خلع أبواب المنازل لاستخدامها في نقل الجنائز بعد أن تحطمت النعوش من كثرة الاستعمال.
وقد سُمّيت سنة الرحمة بهذا الاسم لكثرة ما كان الناس يترحمون على الأعداد الهائلة من الموتى. وتشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن المرض المنتشر حينها كان الكوليرا، وربطت بعض الآراء أسبابه بتداعيات بيئية تعود حتى إلى قنبلة هيروشيما التي أُسقطت لاحقًا في الحرب العالمية الثانية.
نحن اليوم نعيش في نعم لم تكن تخطر على بال من سبقونا. فلنحمد الله لتدوم هذه النعم، ولنأخذ حديث أشرف الخلق في عين الاعتبار، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«مَن أصبح منكم آمِنًا في سِربه، معافىً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا» (رواه الترمذي).
تأمل هذا الحديث العظيم؛ ففي ثلاث كلمات جمع النبي صلى الله عليه وسلم أركان السعادة والحياة الكريمة: الأمن، والصحة، والكفاية. وهي نعم نغفل عنها كثيرًا، وننسى أن نشكر الله عليها.
إن الشكر لا يكون بالكلام وحده، بل يكون بحسن استعمال النعمة، وبالرضا والقناعة، وبمساعدة من حُرموا مما نملك. فكم من مريضٍ يتمنى عافيتك؟ وكم من جائعٍ يحلم بطعامك؟ وكم من خائفٍ يتمنى أمنك؟ فهلّا شكرنا الله حق الشكر؟
وتذكر قول الله تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} (إبراهيم: 7).
فمن أراد دوام النعمة وزيادتها، فليحسن شكرها. فإننا في زمنٍ قد لا يكون فقدان النعمة هو المصيبة الكبرى، بل فقدان الإحساس بها.
نعم، النعم التي في حياتنا تستحق الشكر.