د.إبراهيم بن عبدالله المطرف
شهد مجيء الملك سلمان بن عبدالعزيز- يحفظه الله- لسدة الحكم انطلاقة جديدة للسياسة الخارجية السعودية، فقد أرسى قواعد أكثرَ ملاءمة للمتغيرات الدولية والعلاقات بالقوى العالمية الكبرى وبالقوى الصاعدة، والعلاقات بالمجالات الأكثر قُربًا بالمعايير الجغرافيه والتاريخية.
كما شهدت سنوات عهد سلمان حركة نشيطة وواسعة للدبلوماسية السعودية آسيوياً وإفريقيا، وانفتاحًا واسعًا على الجوار العربى، خصوصًا على صعيد العلاقات السعودية المصرية. وأجزم أن الباحثين السعوديين والمصريين يتفقون مع الكاتب على عُمق العلاقات التاريخية، فالبلدان تربطهما علاقات خاصة قد لا ترقى إليها أي علاقة تربط بين دولتين فى المنطقة، الأمر الذى دعا بعض المعنيين بالشأن السعودى المصرى إلى تعميق العلاقة وتوثيقها، إلى التأكيد على أنه إذا كانت العلاقات مطلوبًا توثيقها فى كل الأوقات، فإنها تستدعى اليوم، توثيقاً أكثر وأكثر.
وتأتي الدعوة لتعميق العلاقة لأسبابً يأتي على رأسها واقع الحال، الذي يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، بأن العلاقات بين البلدين عميقة وقوية وتاريخية وإستراتيجية، وأنها تزداد متانة ورسوخاً وصلابة يومًا بعد يوم، علاقات لن تشوبها شائبة في ظل مواقف ثنائية متطابقة حول المنطقة والإقليم والعالم، علاقات تسير بخطى إيجابية وبمقومات ناجحة، علاقات تحتذى، تحصنها القيادات السياسية بأدوار مدروسة ومتكاملة، وبوصلة علاقات تسير وفق مصالح البلدين.
علاقات لا تتأثر البتة بما يرد على وسائل التواصل من فكر غير بناء وتقف يدًا واحدة في وجه المحاولات التي تسعى للتحول والاستقطاب والإحتواء في منطقتنا العربية وعالمنا الإسلامي. وخير مثال سعودي على عمق العلاقات زيارتا الملك سلمان وولى عهده الأمير محمد بن سلمان للقاهرة، اللتان مثّلتا تطورًا نوعيًا مهمًا فى إطار العلاقات المتميزة، فقد لمس المتابع حقيقة أن الزيارتين لم تأتيا امتدادًا لتقاليد الزيارات الرسمية، بل مثّلتا خُطوات إستراتيجية فارقة، سواء على مستوى مواجهة التحديات، أو على مستوى مسؤولية البلدين عن النظام الإقليمي، أو على مستوى التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي. ويمكننا القول بأن أحد أهم الأسباب التي تتطلب «اليوم» العمل على مزيد من التقارب الأهلي السعودي المصري هو «الوقوف في وجه فكر الفتنة». فالمواطن في البلدين يحتاج إلى عمل رسمي أهلي ثنائي جاد يعزز مستوى التفاهم والاحترام المتبادل، وهو العمل الأهلي الذي من شأنه إيجاد علاقات سلمية وعادلة تساعد على العمل المشترك، في إزالة الخلافات وتعزيز التوافقات.
كما يمكننا القول بأن «العمل الأهلي» يشكل عاملا مسانداً لجهود الدولتين في تعزيز علاقاتهما، وأنه أحد المرتكزات الرئيسة في العلاقات الدولية، وله الكثير من التأثير على العوامل الأخرى التي تمثل أسّسا حيوية في تقوية المصالح المشتركة، والاقتصادي منها على وجه الخصوص، نتحدث عن جهد أهلي يقيم ويدير الأنشطة والبرامج التوعوية والحوارية النوعية، التي تهدف إلى «المكاشفة على أهم سمات وملامح وجوانب» العلاقات بين البلدين.
تتكون قيادات العمل الأهلي في العادة من المختصين في المجالات المختلفة، وينصب جل اهتمامها على الجانب الثقافي المجتمعي بحسه التفاعلي، كما ينصب نطاق واهتمام العمل الأهلي على الانفتاح، بقصد توجيه ميول الرأي العام إلى مجالات تفكير جديدة، تكون أكثر إبداعاً وتاثيرا فيما يتعلق بالآخر. ومن شأن وجود عدد من السعوديين والمصريين البارزين اجتماعياً في مجالات كالأدب والاقتصاد والعلوم والتربية والمحاماة والصحافة والإعلام وغيرها ضمن جهود العمل الأهلي، من شأنه تأكيد تحقيق الخطوة الأولى في نجاح الجهود الأهلية، وإن من أهم ما ينبغي العمل على تحقيقه، هو انضمام شخصيات عرف عنها السعي والجدية في العمل على تعزيز العلاقات السعودية المصرية، وحمايتها من أية أضرار قد يحدثها من يسعون للاساءة للعلاقات، والتأثير السلبي على مسيرتها. وننوه هنا عن العديد من التحذيرات التي تصدر عن مفكرين وأكاديميين وشخصيات سعودية ومصرية عن الإساءة للعلاقات بين البلدين. وقد أكد كل من الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية السياسي المخضرم عمرو موسى، والنائب والكاتب مصطفى بكري في 2025-05-20 عن «أن المستفيدين الوحيدين من التلاسن عبر شبكات التواصل الاجتماعي بين المصريين والسعوديين هم أعداء العرب». وفي تنويه مماثل، نشر الكاتب خالد النويس مقالة له في أبريل 2025، قال فيها «إن ما يحدث من تراشق على بعض الحسابات في وسائل التواصل الاجتماعي، وما وصل إليه من مستوى مخيف، ينذر بشحن النفوس ضد كل طرف، وهذا ما يريده أصحاب تلك الحسابات المزيفة التي تدعي حب الوطن، وتتدثر بشعاره وأسماء أفراده، بينما تدار من شبكات خارجية همها بث الفتنة»، مشيراً إلى «ان المعول عليه في مثل هذه الظروف، هو دور العقلاء في ردم الهوة ووأد صغائر الخلاف».
والحقيقة والحق يقال، فان مواطني البلدين دون استثناء إلا ما ندر، يثمنون للقيادتين السياسيتين في البلدين مواقفهما السياسية والإقتصادية، ويقدرون مبادراتهما الأخوية النبيلة، التي يرون فيها أنموذجاً صادقا في الدعم الرسمي للقطاعات الأهلية في البلدين، في سعيهما لحماية العلاقات وصيانتها وتعزيزها.
ما يعني، أننا نحتاج، نحن المواطنين السعوديين والمصريين، إلى أن نكرس جهودنا في دعم مسار العلاقات بين بلدينا، مساندة منا لسعي قياداتنا السياسية، بمنحهما مزيداً من الثقة في ما يبذلونه من جهد لتستمر العلاقات كما هي عليه وأفضل، ولتستمر الأخوة والصداقة عنواناً لها، وذلك في ضوء أن أكثر ما نحتاج إليه اليوم، هو «صوت العقل والحكمة والاعتدال» التي تتطلب منا، أن نقف في وجه أي فرصة للعبث بعلاقاتنا، أو العصف بإخوتنا، او الإساءة للمودّة بيننا، أو تدنيس إرثنا الطويل من العلاقات التي عمل على توطيدها الكثيرين من قبلنا. فنحن كنا ولا نزال، وعبر تاريخ علاقاتنا، ننظر إلى بعضنا البعض بنظرة أُخوة وإحترام، وقد ولد مشاعر الوّد بيننا ذلك الارتباط التاريخي الذي احتفظنا به، وحرصنا على تحصينه بثوابت أرست قواعدها قيادات سياسية ومكونات مجتمعية، وأدوات دبلوماسية رسمية وأهلية ناعمة فاعلة.
ويدعوا الكاتب - احتفاء بمئوية «معاهدة الصداقة» التي وقعت عام 1926، بين الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن والملك فاروق يرحمهما الله - المجتع الأهلي السعودي المصري إلى تأسيس «رابطة الأخوة والصداقة المصرية السعودية» التي أوجز الكاتب فكرتها في مقالة له في صحيفة الجزيرة نشرت في 05 أبريل 2023 تحت عنوان «نحو تعزيز العلاقات السعودية المصرية» والتي قوبلت بالكثير من الاستحسان، ومن لدن رجال الفكر والرأي من الجانبين على وجه الخصوص، وذلك تيمناً بأحد أهم أهداف قيام الرابطة، ألا وهو «الوقوف في وجه محاولات الفتن وإثارة الانقسام، تجسيدًا للعلاقات التاريخية الإستراتيجية السعودية المصرية».
ولا يفوتني هنا، من تقديم واجب الشكر والإمتنان، للزملاء والزميلات من الشخصيات ذات العلاقة الفكرية والصحافية والإعلامية والثقافية بالمشروع، الذين أبدوا إهتماماً لا محدود بالرابطة، وأخص بالذكر زميلاً عزيزاً كان يؤمن بأهمية الفكرة وجدواها ومتطلعاً للمشاركة في وضع أسسها، إنه الأستاذ الدكتور سامي عبدالعزيز مصطفى، الإعلامي المصري المخضرم، عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة، القامة الإعلامية الكبيرة التي تتلمذ على أيديها أجيال عدة من الكوادر الإعلامية، والحائز على جائزة الدولة التقديرية، تغمده الله بواسع رحمته.
أدعوا المجتمع الأهلي في البلدين لدعم مشروع الرابطة «للوقوف في وجه العبث بعلاقاتنا، والعصف بإخوتنا، والإساءة للمودّة بيننا، وتدنيس إرثنا منّ العلاقات». والله من وراء القصد،،