د. ناهد باشطح
فاصلة:
«من ينظر إلى الخارج يحلم، ومن ينظر إلى الداخل يستيقظ».
- كارل يونغ -
في رواية «الخيميائي» «The Alchemist» لباولو كويلو
يترك البطل سانتياغو إسبانيا ليبحث عن كنز في مصر، ويخوض مغامرات كثيرة في طريقه لتحقيق حلمه، وفي النهاية يكتشف أن الكنز الحقيقي كان موجودًا منذ البداية تحت قدميه، لكنه لم يكن يراه لأنه لم يكن بحاجة للسفر بل كان بحاجة لتغيير رؤيته للعالم ونفسه.
على الرغم من فوائد السفر الخمس المشهورة عند الإمام الشافعي والتي هي «تفريج هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد «، إلا أن السفر لا يُجدي نفعًا إذا سافرنا بأفكارنا القديمة، ونظرتنا الضيقة للعالم ولأنفسنا، فالسفر الخارجي لا يكتمل إلا إذا صاحبه سفر داخلي، في عمق الذات.
كم من مغتربٍ عاش في بلاد تنعم بالحرية والتنوع، وعاد إلى وطنه أكثر تصلبًا في التفكير؟ وكم من سائح طاف البلاد، وعاد محملاً بالهدايا لا بالأفكار والتجارب الجديدة؟ وكأن المكان لم يلامس روحه، ولم يترك في داخله أي أثر يُذكر. وكأن الأحداث التي مر بها لم يستطع أن يقرأ فيها رسائل الله له!!
السفر لا يجدي حينما تكون بعيداً عن ذاتك، حبيس أفكارك الأولى، تنظر إلى الحياة من الشباك نفسه، رغم أن النوافذ تغيّرت.
السفر الحقيقي هو الذي نُجريه داخل عقولنا، هو أن نُراجع قناعاتنا، أن نتساءل عن سبب أحكامنا المسبقة، أن نتأمل لماذا نُستفز من الاختلاف، ولماذا نُصِرّ على أن نُقنع العالم بأن ما نشأنا عليه هو الحقيقة المطلقة؟
السفر الحقيقي أن نُفسح المجال للأفكار الجديدة أن تُشرق في حياتنا. وهنا فقط، يبدأ التغيير.
لن يغيّرك بلد جديد، أو وظيفة جديدة، أو حتى شريك حياة.
التغيير لا يسكن هناك، بل يسكن في طريقة تفكيرك، في طريقة استقبالك للتغيير للأفضل.
وقد يسافر بعضهم ليهرب من واقعه مثلما فعلت بطلة رواية «طعام، صلاة، حب.. امرأة تبحث عن كل شيء» للكاتبة الأمريكية اليزابيث جيلبرت، إذ إنها قررت بعد طلاقها أن تسافر إلى إيطاليا والهند وبالي هربًا من ألم الطلاق وبحثًا عن ذاتها.
ورغم أنها تزور ثلاث قارات، إلا أن التغيير الحقيقي لم يحدث إلا عندما بدأت تواجه أفكارها، وتترك الأحكام المسبقة، وتسمح لنفسها بالشعور والتأمل والحب من جديد.
في نظرية «النمو العقلي» Mindset Theory» «
أثبتت كارول دويك (Carol Dweck) (العالمة النفسية) أن الأشخاص الذين يملكون «عقلية النمو» (growth mindset) أي يؤمنون بإمكانية التطور والتعلم، يحققون نتائج أفضل في الحياة من أولئك الذين يملكون «عقلية ثابتة» (fixed mindset) مؤمنين بأن الذكاء أو الموهبة شيء موروث وثابت لا يمكن تغييره كثيراً.
وهذا يذكرني بأولئك الذين يؤمنون بفكر «أنا لا أستطيع» ولا يستطيعون تحويله إلى «أنا أتعلم»؛ مما يصنع فرقًا جوهريًا في الأداء والتحفيز للإنجاز.
إن السفر كما يؤكد الفيلسوف سينيكا لا يفيد إذا لم يتخلّ الإنسان عن نفسه القديمة فعبور البحار لا يُبدّل العقل، وتغيير المكان لا يعني شيئًا إن لم يتغيّر التفكير.
لذلك قبل أن تسافر بعيداً وتطوف العالم، تأكد من أنك قد سافرت إلى داخلك وأدركت ذاتك لتدرك العالم من حولك.
** **
المصادر
-Dweck, C. S. (2006). Mindset: The New Psychology of Success