د. رانيا القرعاوي
في أعقاب الضربات الإسرائيلية على إيران، تجد المنطقة نفسها أمام أزمة مرشّحة للتوسع خارج حدودها الجغرافية، لتمسّ الجوانب الاقتصادية، والدبلوماسية، والاجتماعية. وفي مثل هذا السياق، لا يكفي أن تتابع الدول الأحداث مكتفية بالبيانات الصحفية؛ بل لا بد أن تمتلك خططًا واضحة لإدارة تداعيات الأزمة، وعلى رأسها الخطاب الإعلامي الموجّه للجمهورين الداخلي والخارجي.
وقد شهدت حركة الملاحة الجوية أزمة عالمية بعد شن إسرائيل هجمات عسكرية على أهداف إيرانية، حيث اضطرت العديد من شركات الطيران إلى تعليق رحلاتها أو تغيير مساراتها، في حين أغلقت عدة دول مجالاتها الجوية تحسبًا لأي تطورات أمنية مفاجئة.
تؤكد هذه الأحداث عمق المخاطر الجيوسياسية التي تهدد اقتصاديات المنطقة، وتُبرز الحاجة الماسّة إلى تنسيق إعلامي مشترك، واستراتيجية اتصالية متكاملة توضح المواقف وتحدّ من التفسيرات العشوائية التي قد تثير مخاوف الجمهور أو المستثمرين. فوفقًا لتقرير Edelman Trust Barometer 2023، يعتمد 64 % من المستثمرين العالميين على الإعلام المحلي في تقييم المخاطر، و81 % منهم يتأثرون بطريقة عرض الخبر أكثر من مضمونه.
الارتباك الإعلامي لا يقل خطورة عن الصواريخ. فغياب التوضيح الرسمي المدروس، وترك المنصات الرقمية دون توجيه، يؤدي إلى انتشار معلومات غير دقيقة، ويفتح المجال أمام أطراف خارجية لصياغة روايات بديلة. وقد أظهرت دراسة الباحثة Ayse Simin Kara في كتابها Crisis Communication in the Digital Age أن أكثر من 70 % من التغطيات الإعلامية الرقمية أثناء الأزمات تتسم بالمبالغة أو الانفعال العاطفي، مما يضعف قدرة الجمهور على التقييم الهادئ للأحداث.
في هذا السياق، جاء توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود لوزارة الحج والعمرة بتسهيل كافة احتياجات الحجاج الإيرانيين وتوفير جميع الخدمات لهم، حتى تتهيأ الظروف لعودتهم إلى وطنهم، كدليل على التزام المملكة بالقيم الإنسانية. وكان ينبغي عدم الاكتفاء بنقل الخبر كبيان رسمي دون تضمينه قصصًا إنسانية من الحجاج أنفسهم، حتى يكون الأثر الإيجابي لهذا التصرف الاستباقي كبيراً حين تضمينه قصصاً إنسانية، والذي كان يمكن أن يرسّخ صورة المملكة بصورة أكبر كدولة قادرة على إدارة الأزمات برؤية إنسانية. ويُذكرنا ذلك بحادثة الطائرة الهندية التي لم يبقَ في ذاكرة الناس من ركابها سوى صورة العائلة المكوّنة من خمسة أفراد، الذين كانوا يأملون بدء حياة جديدة في لندن قبل أن يتحولوا إلى رماد.
من المهم اليوم أن تؤكد دول المنطقة، عبر الإعلام، أن التصرفات التصعيدية لا تمثل توجهًا إقليميًا عامًا، بل اختيارات فردية من إسرائيل وجهات معينة، تسعى لتهديد الاستقرار. العالم العربي بحاجة إلى وضوح في الرسالة السياسية، وتنظيم المحتوى الإعلامي، وتقديم مبادرات ذكية تُظهر نضجًا واتزانًا في مقابل الاندفاع الإسرائيلي.
ما أشعلته إسرائيل بعدوانها لا يجب أن يُترك ليصبح أزمة مفتوحة. بل يمكن احتواؤه من خلال إعلام متماسك، وسرد قصص إنسانية، وتحركات رمزية مدروسة، تساهم في منع التصعيد، وتثبيت الاستقرار في المنطقة. لم تعد إدارة الأزمات مسألة أمنية أو سياسية فقط، بل إعلامية بالدرجة الأولى. فكما قال فيليب سيس:
«الدبلوماسية الحديثة لا تُمارس خلف الأبواب المغلقة فقط، بل تُصاغ على الهواء مباشرة.»