أ.د.عثمان بن صالح العامر
نعيش اليوم في عالم يفترض أن تحكمه الحضارة، ويتخذ قراراته المفصلية النخب الواعية المدركة لعواقب الأمور، ومع ذلك لا تزال الحروب تشتعل هنا وهناك، تزهق الأرواح، وتُدمَّر المدن، وتُشوَّه القلوب قبل الأجساد. وإزاء ذلك كله يتساءل عقلاء العالم وهم يحترقون كمداً وغيظاً، ترى: لماذا هذه الحروب التي لا ترحم؟ لماذا لا يزال البشر - رغم التقدم التكنولوجي والوعي الإنساني المتزايد - يقعون ضحايا لنفس الدوامة القاتلة التي أنهكت أجيالًا من قبلهم؟.
لقد ارتبطت الحروب منذ فجر التاريخ بالطبيعة البشرية من حيث الرغبة في السيطرة، أو الدفاع عن النفس، أو حتى الانتقام. إلا أن تحليل أسباب الحروب في العصر الحديث يُظهر أنها غالبًا ما ترتبط بالمصالح الاقتصادية، أو التوسع الجغرافي، أو الصراع على الموارد، أو جراء التباين والاختلاف الأيديولوجي والعقدي. فالحرب لم تعد مجرد رد فعل غريزي، بل أصبحت أداة سياسية تُستخدم حين تفشل الدبلوماسية أو تُستثنى عمدًا.
نعم الدين - الذي يعد المكون الأساس والركيزة الأهم لهوية الأمة الثقافية - كان ولا يزال من المحركات الأساسية للصراعات العالمية، سواء استخدم كذريعة أم كدافع حقيقي. فالدين عندما يتحول من مصدر للتقارب والحوار إلى أداة للتفرقة والكراهية، تتغذى نار الحروب على مشاعر الخوف والغضب والتهميش.
ومع ما للبعد العقدي من أهمية إلا أن مما يمكن الجزم به أن من أهم أسباب استمرار الحروب في عصرنا الحالي هو (الاقتصاد). تُشعل الحروب أحيانًا لدعم صناعات الأسلحة، أو من أجل السيطرة على الموارد الطبيعية، مثل النفط والماء. في حالات أخرى، يُنظر للحرب على أنها وسيلة لإعادة توزيع الثروات أو التأثير في توازنات القوى العالمية.
وما دامت هناك أنظمة تُؤمن بالقوة أكثر من العدالة، فإن خطر الحرب سيظل قائمًا. وعلى الضد حين تُربّى الأجيال على الحوار لا السلاح، عندما يكون تقبل الآخر لا إقصاؤه هو الأصل، في هذه الحالة بالذات يمكن للعالم أن يختار طريقًا آخر للتعايش والسلام الذي يتغنى به الكل دون أن يشرع فعلياً بالسعي الحثيث لتحقيقه والوصول إليه، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام .