عبدالوهاب الفايز
عندما قال سمو ولي العهد -يحفظه الله- عن تضحيات جنودنا ورجال أمننا في كل المواقع والجبهات: إن راح منكم أب أو أخ أو ابن (الملك وأنا والشعب السعودي نسد عنهم)، وهذا التضامن الوطني لتكريم الأبطال يشمل الشهداء والأسرى والمصابين والمفقودين وذويهم. هذا هو الذي يجعل (التجربة السعودية) الجديدة تتميز بالرؤية والغاية والرسالة والأهداف.. والأهم: بالمخرجات النوعية.
على أرض الواقع انتقلت التجربة من تقديم الأساسيات التي يكفلها النظام إلى فتح المجال لمبادرات العطاء والإحسان التي يتطلع إليها الشعب السعودي لتكريم هذه الفئة الغالية علينا والتي تحمي وحدتنا الوطنية، وأيضاً لإثبات ما قاله سمو ولي العهد، فالشعب السعودي كله سوف يفي بواجبه، وعلى قدر جهده، فالجود دوما من الموجود!
هذه التجربة السعودية النوعية تعرفنا على ملامحها الأساسية خلال اللقاء مع أمين عام صندوق الشهداء الأستاذ طلال بن عثمان المعمر في جمعية كتاب الرأي السعوديين في (19 مايو الماضي). والتجربة تتطور مستنيرة بالرؤية التي وضعها مجلس الأمناء للصندوق برئاسة سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، -يحفظه الله-، الذي تولى قيادة ملف رعاية وتمكين وتكريم هذه الفئة العزيزة علينا، والرؤية تنص على الحرص أن تكون التجربة السعودية (أُنموذجا في التمكين، وإجادة في التكريم، ومثالا في الاعتزاز).
والتجربة السعودية في تكريم الشهداء تتميز عن أبرز النماذج المعروفة عالميا، فالتجربة السعودية من أهم ملامها:
أولا، تخدم خمس فئات، حيث تحتوي الشهداء، والمصابين، والأسرى، والمفقودين، وذويهم، ومن يعولون شرعا، وهذا غير موجود عالميا، كما أنها تخدم كافة العسكريين ورجال الأمن حيث إن معظم الدول تخدم فقط القوات المشاركة خارج الدولة.
ثانيا، تميزت في برامج الاستدامة في الرعاية والخدمة، والتنمية في الخدمات التي (تضمن تقديم خدمات ذات أثر شامل لرفاه وتمكين المستفيدين حسب احتياجاتهم) للخدمات الأساسية والمساندة، وكذلك الحرص على برامج التمكين الذي يؤدي إلى الحياة العامرة بجودة الرعاية والخدمات، وهذا يمتد إلى الأسرة القريبة ومن يتم إعالتهم شرعا.
ثالثا، بُنيت استراتيجية الصندوق على ضرورة التوسع المستمر، مع العمق في الجودة حين تقديم المنتجات والخدمات، ومؤشرات القياس التي أقرتها الاستراتيجية ويتطلع إليها مجلس الأمناء تضع عبئا كبيرا على العاملين في الصندوق، وهذا تطلب بناء مسار خاص للتميز المؤسسي في عمل الصندوق بما يحتاج ذلك من إيجاد بيئة مناسبة ومحفزة للإبداع والتطوير لتحقيق التميز في التشغيل، وتطوير برامج نوعية للاستدامة المالية.
رابعا، حرصت التجربة السعودية على تبني مرتكز استراتيجي لإيجاد (مجتمع متفاعل) مع هذه التجربة، والمستهدف هنا أمرين أساسيين هما: رفع مستوى الوعي الوطني والتقدير لأبطال الوطن وأسرهم، وأيضا قيادة المشاركة المجتمعية الفاعلة لدعم أبطال الوطن وأسرهم.
وإيجاد (مجتمع متفاعل) وُضع كمرتكز استراتيجي نوعي، فهو الذي سوف يُحقق الاستثمار للروح الوطنية السعودية التي تتطلع إلى تكريم شهداء الواجب الوطني في مختلف الجبهات والمواقع العسكرية والأمنية المسؤولة عن أمننا الوطني وحماية ثغور بلادنا.
الاستراتيجية الجديدة التي تحدث عنها الأمين العام تبنت فتح المجال للشعب السعودي للمساهمة في التكريم، وهذا المسار وُضعت له مستهدفات يسعى الصندوق لتحقيقها، منها بناء مبادرة تخدم مشاريع وبرامج الأوقاف، وأيضا تخدم مسارات المنح لدى المؤسسات المانحة، وأيضا تلبّي متطلبات برامج المسؤولية الاجتماعية لدى مؤسسات وشركات القطاع الخاص. هذا المسار الجديد لإعطاء الفرصة للشعب السعودي بجميع المستويات والفئات مبادرة يشكر عليها الصندوق، فالمجتمع السعودي يتطلع إلى القيام بدوره لتكريم هذه الفئة الغالية. طبعا هذا المسار يتمّ تفعيله الآن بعد الانتهاء والتأكد أن جميع ما أمر به ولي الأمر وأقره للشهداء في الأنظمة الأساسية الوطنية، أو في أنظمة القطاعات العسكرية، قد تم تنفيذها، لذا يجري الآن استكمال إجراءات الحوكمة والتطوير لتقديم الخدمات وتسهيل رحلة العميل بحيث يصل المستفيد إلى حقوقه بيسر وسهولة، وبما يحفظ كرامته، فبعد التأكد من وصول الحقوق الأساسية، الآن استكمال وصول الخدمات الممكنة للحياة الكريمة.
وتسهيل رحلة العميل كانت من أبرز التحديات أمام الصندوق، ولكن استطاع مواجهتها واستيعابها عبر إطلاق خدمات تضمن تطوير تجربة المستفيد حتى يصل للخدمات بيسر، وهذا يحقق (الإجادة في التكريم المستمر)، مع الحرص على أن يحقّق أيضا (بناء صورة ذهنية تتسم بالموثوقية) في خدمات الصندوق.
وتطوير رحلة العميل تأخذ الأولوية نظرا لتوسع الخدمات وتنوعها.
الذي يزور الموقع الرسمي للصندوق يجد منصة شهم، وشهم كير، ويجد الخدمات الإلكترونية مثل: برامج جودة الحياة، والبرامج السكنية، والتعليم والتدريب، وخدمات الصحة، والبرامج الموسمية، والبرامج الدينية، وخدمة التوعية والدعم، وبرنامج الإرشاد الديني، ودعم التوظيف، وخدمة التكريم وإحياء الذكرى، وهذه التجربة السعودية لا نستغرب أن نراها بهذا الشمول والتميز، لأننا مجتمع معروف بالتكافل والتراحم مع بعضه، وهذه من ثمار الوحدة الوطنية التي جمعت الناس من كل أطراف بلادنا على مبادئ السلام والتعايش والتضحيات المشتركة، وهناك من رأى تميز التجربة من خارج البلاد.
من الأمور التي جاءت في ثنايا الحوار في الديوانية الإشارة إلى أن التقدير لهذه التجربة السعودية جاء أثناء زيارة فريق الصندوق لوزارة الدفاع الفرنسية لعرض استراتيجية الصندوق التي يجري إعدادها، والهدف هو الاستفادة من التجارب الدولية لإثراء التجربة السعودية، لقد تفاجأ المشاركون من الجانب الفرنسي بحجم ونوعية التجربة المعروضة عليهم، واللقاء الذي كان مرتبا له ساعة ونصف امتد إلى أربع ساعات، فاجتماع المجاملة تحول إلى جلسة نقاش موسعة للتعرف على التجربة السعودية، وأكثر ما لفت انتباههم توسعها في التغطية إلى فئات جديدة تتجاوز شهداء الحروب المباشرة إلى جميع العاملين في منظومة الأمن والدفاع، وأيضا تجاوز ذلك إلى العائلة، ومن يعولهم شرعا.
الأمر الإيجابي الذي تطرق له الحوار أثناء إعداد الاستراتيجية، هو نجاح الصندوق في إشراك القيادات والعاملين التنفيذيين في الصندوق، فهؤلاء ساهموا في وضع المحددات والمدخلات الضرورية أثناء بناء الاستراتيجية، مع إشراك جميع أصحاب المصلحة ممن تمسهم خدمات الصندوق، فهؤلاء جزء من النجاح. وهذا ساهم في سرعة تطبيقها وسرعة اتضاح مخرجاتها، (وهذه لوحدها تجربة سعودية ناجحة في كيفية بناء الاستراتيجيات وتعظيم الاستفادة من الاستشارات).
بقي أن نقول: إن صندوق الشهداء برنامج سعودي يُكرم التضحية الوطنية، وتبني هذه القيمة الوطنية العظيمة هو تكريم لـ (النموذج الوطني في التضحية)، وتكريم وتقدير للمسيرة الإنسانية الشاملة التي تسعى لعمارة الأرض، شهداء الوطن، مهما قدمنا لهم، لن يرقى إلى مستوى تضحياتهم.
الرعاية الشاملة التي يقدمها صندوق الشهداء هي عرفان وتقدير وطني، لذا فتح المجال أمام الجميع للمشاركة في التكريم خطوة مهمة نتمنى الالتفات لها وإبرازها. الدولة قادرة على أن تتولى مسؤولية الرعاية الكريمة، وهذا ما تحقق عبر إقرار العديد من الحقوق التي يكفلها النظام للشهيد وهي عديدة.
الهدف الكبير للصندوق هو: فتح الباب لـ(تكريم قيمة الشهادة والتضحية للوطن)، وكل مواطن يمكنه المساهمة بجهده وبما يستطيعه. لكل فئات المجتمع نقول الآن توسعت لدينا الفرصة، الأديب، والشاعر، والمفكر، والإعلامي، والمرشد والموجه الاجتماعي، وخطيب الجمعة، والمدرس والمدرسة، ورموز البر والإحسان من رجال الأعمال والتجار، والفنان التشكيلي، والحرفي، وطلاب المدارس كجزء من التربية الوطنية. كلنا دون استثناء يلحقنا الواجب لتكريم الأبطال ودعم مبادرات ومستهدفات صندوق الشهداء.
التجربة السعودية في تكريم الأبطال هي امتداد للوحدة الوطنية وثمار التكافل الاجتماعي، فكل جهد يعزز من إرث الشهداء ويجعل تكريمهم مسؤولية الجميع هو جهد مقدر ومشكور.