د. أحمد محمد القزعل
يقول جبران خليل جبران: «السكوت عن القهر هو قهر أكبر»، فالقهر النفسي من أكثر أشكال الظلم خفاءً، لكنه في الوقت ذاته من أشدّها تأثيراً على النفس البشرية، إنه وجع لا يُرى، وعذاب لا يُسمع، لكنه يتغلغل في الأعماق ويترك ندوباً لا تُمحى بسهولة مع مرور الزمن، ويتمثل القهر النفسي في ممارسة الضغط والتهديد والتهميش أو الإهانة بطريقة تؤثر على كرامة الإنسان ومشاعره، ويتمثل في الكلمة الجارحة والنظرة الساخرة والتجاهل المتعمّد أو التشكيك المستمر بقدرات الإنسان.
ومن أبرز صور القهر النفسي حرمان الإنسان من أبسط حقوقه الأساسية مثل الحق في التعبير والحق في الاحترام والحق في التعلم أو حتى الحق في الحب والرعاية، فحين يُجبر الإنسان على كبت صوته أو إنكار وجوده، فإنه يعيش حالة من القهر الداخلي الذي يتراكم ليصنع داخل النفس غربة مؤلمة، ومن أمثلة القهر النفسي في واقع الحياة كالطالب الذي يتم تجاهل مشاركاته دائماً في الصف، والزوجة التي يُهملها زوجها عاطفياً ويُقلل من شأنها، والموظف الذي يُستبعد من الترقيات رغم كفاءته بسبب الحسد أو التمييز.
حقيقة إن الظلم صفة قد يحملها بعض الناس، سواء أكان الظلم مادياً أو معنوياً، فالظالم يتجرد من إنسانيته حين يقرر أن يستضعف غيره ويتحوّل إلى أداة للهدم بدلاً من البناء، والظلم المعنوي يجعل الإنسان يشكك في نفسه وقدرته وقيمته، وعندما يُهمَّش الإنسان في بيئته أو يُقلَّل من شأنه باستمرار أو يُستخدم ضده العنف العاطفي، فهو يتعرض لظلم حقيقي ربما يفوق في تأثيره الظلم المادي.
ومن أهم طرق الصمود وتجاوز القهر النفسي: التمسك بالإيمان أن الله عادل ولا يظلم أحداً، وضرورة بناء الثقة بالنفس من خلال التعلم والتطوير الذاتي والتحدث إلى أشخاص موثوقين ومتفهمين، مع أهمية تدوين المشاعر والبحث عن وسائل للتنفيس عنها وطلب المساعدة النفسية من المختصين عند الحاجة.
لكل ما سبق فالقهر النفسي لا يُرى وهو امتحان صعب، ولا بد من نشر ثقافة الوعي بأهمية احترام الإنسان ومشاعره، والتأكيد على أن كرامة النفس لا تقل أهمية عن سلامة الجسد، لكن تجاوز القهر النفسي ممكن دائماً من خلال الإيمان العميق والوعي والدعم النفسي والاجتماعي، فالعدل الإلهي باقٍ ومن ظلم اليوم سيُرد عليه غداً، فلنكن منصفين في أقوالنا وأفعالنا ولنكن سنداً لا سوطاً على غيرنا.