محمد عبدالله القميشي
النجاحات المتوالية التي تحققها المملكة العربية السعودية في كل موسم حج تمثل نموذجًا متقدّمًا في إدارة الحشود الكبرى، وتستحق الحمد والشكر لله على توفيقه، ثم الثناء والتقدير للقيادة الحكيمة التي أرست منظومة عمل متكاملة تشارك فيها كافة قطاعات الدولة، مدنية وعسكرية، بوعي مؤسسي عالٍ، وإخلاص في أداء الواجب الإنساني والوطني والديني تجاه ضيوف الرحمن.
هذا الأداء المنهجي ليس وليد اللحظة، بل هو انعكاس لفطرة راسخة نشأ عليها أبناء الوطن، وتغذت بها عقولهم تحت توجيهات قيادة آمنت بأن شرف خدمة الحرمين أعظم الأوسمة، وأن رفعة الوطن تبدأ من خدمة بيته العتيق.
ومن الواضح أن هذه القيادة تعمل ليلًا ونهارًا، فما أن ينتهي موسم الحج هذا العام، إلا وتبدأ بالتخطيط والدراسات للحج القادم، سواء على مستوى تطوير البنية التحتية أو الطرق التي تخدم الحجاج. وشهادة لله، نشهد تطورًا من عام إلى عام في خدمات البنية التحتية، حيث تحوّلت المشاعر المقدسة من صحارٍ وجبال إلى مدنٍ تسرّ الناظرين، بوجود مستشفيات وأنفاق وجسور لراحة حجاج بيتهم الحرام. ومن بين المميزات في حج هذا العام، استخدام التقنية الحديثة وتوظيفها لراحة الحاج ومراقبته، حرصًا على سلامة صحته وحجّه، بفضل الله، وبفضل جهود الحكومة الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، صاحب النظرة الثاقبة والرؤية العظيمة 2030.
وفي هذا السياق شهد موسم حج هذا العام 1446 إنجازات نوعية أبرزها تشغيل ثلاث مستشفيات كبرى بالشراكة مع القطاع الخاص، وتفعيل 71 نقطة إسعافية بأكثر من 7000 مسعف و500 آلية. كما فعلت وزارة الداخلية مبادرة (طريق مكة) والتي استفاد أكثر من 314 ألف حاج في 12 مطارًا بـ8 دول.
وساهمت فرق الجوازات في التحقق من هوية التائهين والمنوّمين عبر أجهزة البصمة، فيما نظّم رجال المرور حركة الحشود بانسيابية عالية، وأشرفت قوات الدفاع المدني على سلامة المواقع بمساندة المتطوعين. كما دشّن الأمن العام ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية منصة ذكية بالذكاء الاصطناعي لإدارة الحشود، واعتمدت وزارة الدفاع على طائرات متطورة نفّذت مهام الإخلاء الطبي والمراقبة الجوية والدعم الميداني.
وتشهد المشاعر المقدسة تطورًا مستمرًا عامًا بعد عام، من خلال الطرق والجسور، ومشروع قطار المشاعر، وجسر الجمرات، وكلها تحت رؤية المملكة 2030، لزيادة عدد مقاصد الحج والعمرة لأداء مناسكهم بيسر وراحة وأمان.
ولا ننسى مشروع الخيام المطورة التي اكتست بها مشعر منى، حتى أصبحت منى أكبر مدينة خيام في العالم، وفق أفضل المعايير الهندسية، بجانب مشروع جسر الجمرات الذي طوّرته الدولة على أعلى مستوى، وبتكاليف ضخمة واستثمارات هندسية متقدمة، نسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسنات هذه القيادة الحكيمة، التي لا تريد إلا رضا الله سبحانه وتعالى.
وعلى الصعيد الميداني لخدمة الحجاج، فإن ما تقوم به الدولة في إدارة الحشود المليونية لأكبر تجمع عالمي في زمنٍ قياسي يُعتبر تحديًا كبيرًا، تتولاه الجهات العسكرية باهتمامٍ كبير وجليل، بفضل خطط مدروسة، وإشراف ضباط وجنود ذوي خبرة وباع طويل في هذا المجال، تحت إشراف ومتابعة من لجنة الحج العليا، واللجنة المركزية للحج.
وفعلًا، هذا النجاح مشهود له بالبيان من عام إلى عام، مما جعل المملكة من الدول العظمى في هذا المجال، بفضل تكاتف قادتها وشعبها، الذي يقف خلف قيادته العظيمة، التي أوصلت هذا البلد إلى مصاف الدول الكبرى.
فهنيئًا لهذه القيادة خدمة بيت الله الحرام، وهنيئًا لهذا الشعب بهذه القيادة الطامحة لمستقبل شعبه. وحفظ الله قيادة وشعب المملكة، وجعلها رائدة في العمل الخيري والإنساني، وشامخة ليوم الدين، منارة وقبلة للمسلمين.