أوس أبو عطا
تلج القضية الفلسطينية برمّتها بظروف بالغة الصعوبة والتعقيد والخطورة لم تمّر بمثلها قط منذ بداية الصراع العربي الإسرائيلي، فما يجري في قطاع غزّة يمكن تشبيهه بإعدام ميت أو التمثيل بجثة غزّة أو قصة موت معلن أو يوميات الموت العادي، تنطبق كل هذه التوصيفات السينمائية والأدبية والشعرية التي اجترحها كبار الأدباء والمبدعين على ما يحدث في القطاع الكسير الأسير.
ولا يبدو الوضع في الضفة الغربية أفضل حالا، لكنّه أقلّ وجعاً وأدنى نكبة، فما يحدث من قضم وهضم للأراضي الفلسطينية بفعل سرطان المستوطنات، وتقطيع أوصال الضفة الغربية بأكثر من ألف حاجز أمني للاحتلال، يؤكد الحاجة الماسة للقضية الفلسطينية للدعم الخارجي وضرورة إعلاء الصوت لوقف حرب التجويع والتعطيش والقتل على الشعب الفلسطيني البريء والمسالم.
ومن اللافت أنّ هناك دولة إقليمية، تصمّ أذنيها وتعّمي عينيها عن نكبة النكبات في فلسطين، حيث أنها تمارس أفعالا تنافي أقوالها بما يتعلق ببهتان ارتباطها والتزامها بالقضية الفلسطينية مما يظهر انفصالا بين الخطاب المترف والمترع بالشّعارات ليدغدغ ويتلاعب بالمشاعر الإسلامية وبين تجسيد هذه الشعارات على أرض الواقع، فمن اليسير القول أن هذه النظرة للقضية الفلسطينية هي نظرة استثمارية وانتهازية، فهي تتجلى بدعم ميليشياتها في بعض الدول العربية لتضغط على إسرائيل وتحسن موقفها التفاوضي، دون الأخذ بالحسبان ردة الفعل الإسرائيلية التي قد تكون ساحقة وماحقة، كما حدث في فلسطين ولبنان واليمن، فهذه الدولة الإقليمية تستثمر بالمعاناة الفلسطينية لصالحها، وتضحي بأتباعها كرمى لعيون مصالحها وبالمقابل لا تضحي بمصالحها أو تقدم بالحد الأدنى يد العون لهم.
وفي اتجاه آخر، هناك رؤية وموقف خليجي مختلف تماما ومتباين كليا، فالدول العربية الخليجية وعلى رأسها الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية تقدمّ خطابا ينسجم مع أفعالها على أرض الواقع، خطاب ينتهج الواقعية السياسية، وبعيد كل البعد عن الشعبوية الكاذبة.
هذا الخطاب الصادق المشفوع بالأفعال لوقف العدوان الإسرائيلي الفظيع وكبح جماح ردة الفعل الإسرائيلية العنيفة، ووضع خاتمة للمجازر اليومية في كل من قطاع غزّة والضفة الغربية، والعمل الحثيث لتقصير عمر العدوان، وجلب المنفعة والسلام للشعب الفلسطيني ومنطقة الشرق الأوسط ككل، وإلحاق الخسارة السياسية والدبلوماسية بإسرائيل، عبر وضع القدرات الدبلوماسية والسياسية السعودية الوازنة في خدمة القضية الفلسطينية المحقة، فلا تنازل بخصوص إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
أما إنسانيا فحدث ولا حرج، فالمملكة العربية السعودية تهتم بصحة الفلسطينيين وعلى رأسهم الأطفال أمل المستقبل الفلسطيني، وبدورها استقبلت الرياض، الطفل الفلسطيني محمد حجازي برفقة ذويه، لتلقّي الرعاية الطبية اللازمة في مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون؛ إنفاذاً لتوجيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وبناءً على ما رفعه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء.
فقدت الحرب الإبادة الإسرائيلية على غزّة أسبابها ومسبباتها بعدما ولجت شهرها العشرين، وما تنقله الشاشات من صور للكارثة الفظيعة هناك يدمي القلب ولا يحتمله أحد، فإن كان المشاهد لا يحتمل رؤية الصور المأساوية القادمة من قطاع غزّة، فكيف حال من يعيش المأساة ذاتها؟!