أ.د.عثمان بن صالح العامر
من المصطلحات التي ترددت على مسامعنا بكثرة هذه الأيام جراء الحرب الدائرة بين العدو الصهيوني المحتل وإيران مصطلح (خيانة الوطن) والذي يعني في القاموس السياسي: (الانخراط المتعمد في أعمال تضر بمصالح الوطن الذي ينتمي له الإنسان، سواء من خلال التجسس والترصد والمتابعة، أو عن طريق كتابة التقارير السرية، ودعم الطابور الخامس، ورفع الشعارات الكاذبة، وتوظيف مواقع التواصل الاجتماعي وما إلى ذلك، خدمة للأعداء). وفي السياق الإيراني - محل الحديث العالمي اليوم - ظهرت صورة الخيانة بشكل واضح جلي من أول ساعات الحرب التي ما زالت رحاها تدور حتى لحظة كتابة هذا المقال، وربما تطول. وشمل ذلك: التجسس لصالح أجهزة الموساد، تسريب معلومات عسكرية ونووية، والتخابر لمساعدة الصهاينة على تنفيذ عمليات عسكرية محددة في العاصمة طهران والمدن الرئيسة المعروفة. وهذا ليس جديداً في الداخل الإيراني، إذ تذكر المصادر التاريخية أن الموساد اعتمد في بعض عملياته في السنوات الماضية على إيرانيين أو ذوي أصول إيرانية يحملون جنسيات إضافية. ساعدتهم اللهجة الفارسية ومعرفة البيئة المحلية على تسهيل التحركات والاستخبارات داخل إيران. ولذا كانت العقوبة الأشد شيوعاً في القوانين الإيرانية لهذه الجرائم هي الإعدام أو السجن المؤبد.
وللانخراط في هذا المسلك المشين دوافع عدة، لعل من أهمها:
- مكاسب مالية: رواتب مضمونة مقابل كل تعاون.
- انتماء أيديولوجي: فبعضهم يعارض النظام الحاكم أو يرى في إسرائيل حليفًا ضد النظام الإيراني.
- ابتزاز أو تهديد: يُجبر بعضهم على ذلك تحت ضغط.
وخطر هؤلاء وأمثالهم على أوطانهم لا يقف عند مصطلح (الخيانة) بالمعنى القانوني لهذا اللفظ، بل تكشف عن ثغرات أمنية خطيرة تمكّن الموساد من خلال استغلالها من شنّ هجمات دقيقة ومفصلية داخل الأراضي الإيرانية في الأيام القليلة الماضية.
إن خيانة الوطن في هذه الحالة ليست مجرد فعل فردي، بل تدخل ضمن حرب استخباراتية شاملة، استخدمت فيها إسرائيل كل أدواتها: عملاء مزدوجو الجنسية، تكنولوجيا متقدمة، وتنسيق مع ضباط محليين للوصول إلى قلب البيوت النووية الإيرانية.
والنتيجة كانت اغتيالات مؤثِّرة بارزة على بنية النظام العسكري والعلمي في إيران.
هذه الأمثلة تؤكد كيف أن جرائم التجسس والتخابر تعتبر من أخطر صور خيانة الوطن، خصوصاً حين تكون مدعومة ومستخدمة في عمليات عسكرية محددة ضمن سياسة دولة معادية. وفي السياق الإيراني، فإن الموساد نجح في تحويل عملاء مزدوجي الجنسية إلى أدوات رئيسية في هذه العمليات، محققاً الأهداف الإستراتيجية بحرفية واستخبارات متقدمة.
حفظ الله بلادنا وبلاد العرب والمسلمين ووقانا شر الخونة والمنافقين والطابور الخامس ومن اقتفى أثرهم وسار على نهجهم وعمل في الخفاء ما لا يجرؤ على إظهاره علانية لعلمه بأنه يصب في خانة مصلحة أعداء الوطن، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء، والسلام.