العقيد م. محمد بن فراج الشهري
الخداع الاستراتيجي وأساليب الحرب السيبرانية «cyber war» الحديثة هو ما أوقع إيران في فخ هذا الخداع.. إسرائيل بالتعاون مع شركاء لها قامت بلعب الخداع في الآونة الأخيرة وهذا الخداع مخطط له مسبقاً لتأتي الضربة في اليوم ما قبل الاجتماع بين أمريكا وإيران في عُمان، وإيران لم تأخذ التحركات الإسرائيلية على محمل الجد، رغم أن معلومات وصلتها لتفيد بأن إسرائيل تنوي القيام بعمل ما، لكن تباطؤ الإيرانيين واستخدام الخداع الاستراتيجي التكتيكي وأساليب الحرب السيبرانية الحديثة أدى إلى كل ما حدث داخل إيران وللتفصيل أكثر ما حدث فيما يلي:
يتساءل القارئ كيف دخلت إسرائيل إلى الأجواء الإيرانية بهذه السهولة عدة مرات دون ملاحظتها أو اعتراضها، فنقول أن الخداع الاستراتيجي، وأساليب الحرب السيبرانية «cyber war» الحديثة هي من أوقع إيران في فخ هذا الخداع.. الذي استخدم بذكاء غير عادي ومرتب له، إسرائيل بالتعاون مع أمريكا قامت بلعب الخداع في الآونة الأخيرة وهذا الخداع خطط له مسبقاً لتأتي الضربة في اليوم ما قبل الاجتماع بين الإيرانيين والأمريكان في مسقط، وإيران لم تأخذ التحركات الإسرائيلية (المريبة) على محمل الجد، رغم أن معلومات وصلتها تفيد بأن إسرائيل تنوي القيام بعمل عدائي قريب، لكن تباطؤ الإيرانيين، واستخدام الخداع الاستراتيجي التكتيكي، وأساليب الحرب السيبرانية «cyber war» الحديثة أدى إلى كل ما حدث داخل إيران وللتفصيل أكثر أوجز ما حدث فيما يلي:
استيقظت طهران على صدى ضربات جوية خاطفة استهدفت مواقع عسكرية وصناعية من بينها منشآت حساسة ذات طابع نووي. لم تُسمع أصوات المضادات لم تُرَ صواريخ الاعتراض ولم تخرج طائرات الدفاع الجوي. وكأنّ السماء تم اختراقها لا على مستوى الطيران بل على مستوى «الوعي العسكري نفسه».
فما الذي جرى؟ وكيف عبر الطيران الإسرائيلي إلى قلب العمق الإيراني بهذه السهولة؟ ولماذا لم ترد الدفاعات الصاروخية الإيرانية المعروفة بقوتها وتعدّد طبقاتها؟
أولًا: الحرب السيبرانية - المعركة التي لا تُرى:
ما لم يُرَ على شاشات الرادار رُبما كان قد تم تعطيله قبل ساعات من الهجوم أو حتى أيام. والحرب لم تبدأ بالصواريخ بل بدأت بـ»نقرة» على لوحة مفاتيح. إذ إن الهجوم الجوي الإسرائيلي كان مسبوقًا باختراق إلكتروني واسع النطاق تم فيه تعطيل شبكة الاتصالات العسكرية وأنظمة القيادة والسيطرة بل وربما تم حقن «بيانات زائفة» داخل النظام الإيراني نفسه لتبدو الأجواء هادئة بينما كانت الطائرات الشبحية تحلّق على ارتفاع منخفض في قلب الأجواء الإيرانية. وهذه هي الحرب الهجينة بكل تجلياتها: مزيج بين اختراق سيبراني وتخدير استخباراتي وتشويش على الرادارات وتنسيق دقيق بين وحدات الحرب الإلكترونية والطيران القتالي.
ثانيًا: الشبحية تضرب في صمت:
وهي المقاتلات التي استخدمتها إسرائيل وعلى رأسها F-35I «أدير»، والتي لاتُرى بالرادارات التقليدية خصوصًا إذا كانت تلك الرادارات معطلة أو مشوشة إلكترونيًا. هذه الطائرات صُمّمت لقتل العدو دون أن تُشاهَده ! ومع وجود منظومات إطلاق صواريخ بعيدة المدى، لم تكن الطائرات نفسها بحاجة حتى للدخول إلى عمق الدفاعات بل نفّذت الهجوم من مدى آمن بعد أن تم تمهيد الطريق سيبرانيًا.
ثالثًا: ثغرات في منظومة الدفاع الإيراني:
على الرغم من امتلاكها منظومة مثل S-300 و»باور 373» لكنها تعاني من خلل هيكلي في التكامل بين عناصرها. فالرادار في جهة وقاذفات الصواريخ في جهة وقيادة التحكم في جهة ثالثة. وهذه ليست شبكة موحّدة بل «أدوات منفصلة». ولذلك فعندما ضُرب مركز القيادة والسيطرة أو شُوش عليه تعطّلت كل المنظومة وكأنها لم تكن. كما أن غياب التنسيق الفوري بين الرصد والتحليل، والقرار، والرد يجعل الاستجابة لأي تهديد في إيران بطيئة، باردة، أو حتى مشلولة بالكامل.
رابعًا: التخدير الاستخباراتي «الخداع»:
وهو الأخطر من الضربات ذاتها وهو ما سبقت العدوان من تخدير استخباراتي أشرت له في بداية المقال . إذ إن إسرائيل راقبت لسنوات وزرعت عملاء وشنّت هجمات سيبرانية تجريبية واختبرت الدفاعات وحرّكت أهدافًا وهمية حتى باتت تعرف متى يكون النظام في أضعف لحظاته. وفي يوم الضربة ربما كانت القيادة في وضع غير جاهزة ومشغولة بتهديدات أخرى أو ضحية «تشتيت استراتيجي» أعدّ بعناية.
خلاصة المشهد:
حسب ما يراه أغلب المحللين العسكريين والاستراتيجيين فإن إيران لم تُضرب فقط بصاروخ بل ضُربت أولًا بالعتمة المعلوماتية بالعجز بعدم القدرة على الرؤية . ضُربت وهي لا تدري أنها ضُربت. وهذا هو تعريف الضربة الذكية في الحروب الحديثة التي تغير الكثير من مفاهيمها القديمة بفعل التكنولوجيا العسكرية الحديثة، والهجوم الإسرائيلي أو بالأحرى العدوان كان بمثابة عرض ناري لأعلى مستويات التكامل بين الاستخبارات، والسيبرانية والطيران الشبحي. أما غياب المضادات فكان علامة على فشل المنظومة لا نقصًا في المعدّات. ففي عالم الحرب الحديثة لا يكفي أن تملك الصواريخ… إن لم تملك القدرة على رؤيتها قادمة وهذا معروف في سجلات الحروب الحديثة والقديمة لكن ينبغي عدم تجاهل ما حدث لكل القادة العسكريين والاستراتيجيين واستلهام الدروس والعبر في كل ما حدث لأنها نقطة تحول في الحروب الحديثة يجب معرفة أسرارها بشكل أفضل وأدق مما أوردته والحديث يطول حول هذا الأمر إلا أننا اختصرنا على قدر المساحة المتاحة .