أ.د.عبد الله بن سليم الرشيد
إلى الشاعر الكبير الأستاذ جاسم الصحيّح، رجعًا لقصيدته التي أكرمني بها، في حفل التكريم الذي نظّمه نادي الرياض الأدبي، وفيها قوله:
لا الياءُ خانتْ ولم تغدر بك الألفُ
ما زلتَ تستنبتُ المعنى وتقتطفُ
تحيةً يا أبا بسامَ نرفعُها
مخضرّةً مثلما يخضوضرُ السَّعَفُ
سلمتَ يا ابنَ سُلَيمٍ كلما كُسِرت
قصيدةٌ وأطلّ الوزنُ يرتجفُ
صدًى يلُمُّ شتاتَه
عبدالله بن سُلَيم الرُّشَيد
لا الياءُ يائي ولا من رهطيَ الألفُ
إن كنتُ حين اختلاجِ السحرِ لا أقفُ
يا جاسمَ الحرفِ، ماذا هِجْتَ من شَغَفٍ
وأنت مَنْ في مداه ينبُتُ الشَّغَفُ
أثخنتَ في الشعرِ حتى جاء ملتمِسًا
رضاك، يبرُقُ في أجفانِه الأسفُ
فاحتزْتَ بُسْرَ المعاني واتّكأتَ لها
ورحتَ تشتارُ أحلاها وتـخترفُ
ثم التَفَتَّ وناديتَ الهوى فأتى
نشوانَ من طبقِ الألفاظِ يلتقفُ
وحُطتَني بهدايا الضادِ ناطفةً
سحرًا، وأبرعُ ما في سحرِك النّطَفُ
ويا أخا الشعرِ، والمضمارُ مزدحمٌ
والنبعُ من شاء يأتيه ويغترفُ
علّمتَ جيلَك أن يستاقَ قافيةً
سَبِيّةً من ركابِ الغَيبِ تُختطَف
فكلُّهم -ورياحُ الشعرِ صاخبةٌ-
من قبل أن يأزِفَ الميقاتُ قد أَزِفوا
وما (تَبَحْترتَ) أو (تـَمَّمْتَ)، كنتَ فتًى
نبعًا ومنه قَطا الأشعارِ تَرتشِفُ
وقمتَ تقبِسُ من نارِ الزمان ضُحًى
وإن شَتَوتَ فبالأوزانِ تلتحفُ
سلّمْ على شاعرٍ في صدرِك اعتَلَجَتْ
ألحانُه وهْو في جنبيك معتكفُ
وقل له: ما تزالُ الروحُ ناضرةً
ما ظلّ في فلَواتِ القلبِ يعتسفُ
***
يا أيُّها الشاعرُ الـمُفْضي بزَفرتِنا
إلى فضاءٍ به الأرواحُ تأتلفُ
لم يبقَ مما هَوِينا غيرُ قافيةٍ
ننصَبُّ فيها روِيًّا ثم ننصرفُ
من حيثما شَرَعَ المعنى يـُخاتلُنا
نسقيه قهوتَنا الشَّكْرى فينعطفُ
يبتزُّنا الأفْقُ.. نستعصي.. تلاحقُنا
نارُ الفناءِ.. نداريها وننحرفُ
حتى نهذّبَ بالأنغامِ أفئدةً
ما زال ينهَشُ في شِريانِها الصلَفُ
***
ويا أخا الشعرِ، أوقاتي مكبّلةٌ
وليس لي عند بابِ الشمسِ مُزدَلَفُ
أمسيتُ أفتِلُ حبلَ العمرِ يرهقُني
أمسي وما ليَ في جسمِ المدى كتِفُ
وصِيحَ بي -وعصا النُّكرانِ زاجرةٌ-
غادِرْ فِناءَ الضُّحى يا أيها الخَرِفُ
فأومأ الليلُ، واجتاحتْ دمي سِنَةٌ
وَسْنَى ودَمْدمَ في أضلاعيَ اللهَفُ
حتى ادّكرتُ أغانـيَّ التي انصهرتْ
في معشرٍ لم تعانِدْ بدرَهم سُدَفُ
السامرين على (ليلى) القريضِ وإن
يَسَّمَعوا رَجْفةَ الآمالِ يرتجفوا
لا يحذرون سعالي الريحِ، دأبُهمُ
إذا رأوها تُغادي رَبعَهم قصفوا
التاركين بعينِ الموتِ من عبروا
بِيدَ الكلامِ ومن في عِيّهم رَسَفوا
من كان حلمُهمُ أن يلتقوا نهَرًا
حتى إذا وقفوا في شطِّه نشِفوا
***
هززتَني بلُبابِ القولِ فاشتعلتْ
قريحةٌ لم تكافئْ نبضَها النُّتَفُ
فاعجَلْ إلى مرفأٍ كنا نهدهدُه
إذا تباعد عنه بـحرُه الدنِفُ
واصطدْ لنا غيمةً كانت تغازلُنا
حتى تفيءَ إلى بستانِنا الطُّرَفُ
***
فِطْريّةُ الكونِ أحلى ما يُلاذُ به
وإن زَهَتْ في عيونِ السائحِ التُّحَفُ