علي حسين (السعلي)
قرأ مغادرا السور:
(البيت موحش)
عبارة كتبها بخط يده، وقعها ببيت شعر إنجليزي «فَشِلْتُ أن أجدَ قَلْبًا يشبهُ قَلْبي!» رأسه متخمٌ بفكرتين:
-يحْمِلُ فأسا عصاه مُكسّرة
يرمي خلفه الذكريات-
كان يحمل معه كتابا معنونا بـ «لأني مؤمن بنفسي نسيت أن أبدأ بالسلام» في داخله وردةٌ ذابلة سوى ورقةٍ منها تصارع الذبول، علبة دواء ظنها ممتلئة، وقبل أن يتنفّس الصبح سماء شارعه انطلق بيده تذكرة قطار، قد قطعها من جهازه المحمول بعد أن حطمه بأقدامه، حين وصل نزع قبعته السوداء مدخلا أصابعه في فروة رأسه بإبهامه وسبابته أزال ما بقي من غبش عينيه، قال له سائق الأوبر:
لقد وصلنا يا سيدي
فتح شنطة السيارة ودّعهُ بابتسامة وهو يعطيه حقيبته الحمراء!
الموظفون في بدء استلام وتبديل مناوباتهم، بدأت المحطة موحشةً كبيته، عامل البوفيه بالكاد يحرّك حواجبه وظهره ويتثاءب قال له:
أريد قهوة سوداء.
ضحك العامل وهز رأسه بالإجابة، في قرارة نفسه يسأل: من هذا الرجل الذي أتى بملابس رثّة وذقنه خطّ فيه الشيب، ياه لهذا الوجه البائس يبتسم في وجهي والألم يتصفّد من تجاعيد وجهه!
ارتشف القهوة، فتح كتابه، بدأ يقرأ ما بقي من سطور الرواية، في بضع صفحات منها يخرج قلما يضع خطوطا على بعض السطور منها» الخوفُ من المجهول بداية الاحتضار، الأبواب المقفلة مفتاحهُا الصبر» غفا بين سِنَة ونوم أيقظه العامل تفضل يا سيدي لقد سقط القلم من يدك وأنت..
شكره مسدلا قبعته على وجهه مكملا مدّ رجليه، لم يفق إلا صوت نداء الرحلات، أخرج تذكرته من هاتفه القديم لم يتبق سوى ساعتين على رحلته، نهض يسأل الموظفة:
أختي أين مسار طريق مغادرتي؟
ابتسمت كأن الدنيا في عينيه جنّة بأنهار وبساتين، أشارت إليه بالمكان شكرها ذهب، ثم عاد إليها يسأل بخجل وهي تبسمت أكثر اسمي
ربشة هلا عرفت اسمك؟
قاطعها لحظة هل اسمك صباح؟
ضحكت بحياء في يديها وهي تضعها على فمها الصغير كأنها شمس تخرج من بين الغيوم خجلة، أناملها ناعمة كالماء الذي ينسلّ من بين الأصابع قالت
لم تبتعد قليلا هو قريب مما ذكرت في تهجي اسمك
هلل مكبرا اسمك حمامة إذا!
قرأ على قميص بياناتها مركّزا فيه قارئا: تغريد !!عادت تجيب زبونا آخر بعد أن قالت له: عن إذنك … تصحبك السلامة يا سيدي
لا خاتم في في أناملها سوى في سبّابة يدها اليمنى في معصمها أسورة ملونة كقوس قزح، تمنّى أن يطول حديثه معها لعل العتمة تنقشع من قلبه ويرتاح من أفكار استوطنت رأسه الأبيض.
في عربة القطار قدّم له الموظف طعام الإفطار يقارن ضاحكا بين وجه تغريد وهذا الوسيم، غفا من القراءة أيقظه الموظف تفضل يا سيدى لقد وصلنا.. جلس متعبا على كراسي غير ثابتة، فتح الكتاب كل أوراق وردته ذبلت أسلمت عيناه للنوم بعد أن سمع من جلس بجانبه عائلة بالكاد يفهم حديثهم، قبعته تقترب منه تأخذ حيّزا، حقيبته الحمراء عليها بياناته ورقم نقّاله توسدها مغمى عليه:
شجار بين عروسين لتوّ وصلا من خارج البلاد، أنتِ لا تفهمي غيرتي تعبت أن أجد من يتفهّم غيرتي!
وأنتَ غيرتك تقتلني وأنا أحبك منذ قلبي سكن بغرف قلبك وأصبحنا توأمين، يبتسم في جسد واحد هراء هراء هذا الحبّ هراء، تزوجت وها نحن كما كنّا ساخرا :
احتضنت يده ووضعتها على كتفهِ..
في آخر الليل جلست عائلة معها طفلة اسمها حلا تضع يديها على أذنيها وهي تسمع صراخ همسٍ بين والديها:
اتفقنا على الطلاق فلماذا أسمع منك أصلا؟
اسمعيني لآخر مرّة في حياتك ثم أنك مقرر الفراق!
وفي خضم هذه المجادلة انطلقت رصاصة من فم أبيها أنتِ طــ... وضعت أمها على فمه أشارت إليه لطفلتهما والدموع تنساب من خديها تترى، شعرة بيضاء اختلطت مع دموع حلا
في اليوم التالي:
اقترب من النائم ذي القبعة السوداء ثيابه تشبهه ورائحته، أدخل يده في جيوبه أخذ النقود كلها، سحب الحقيبة ارتطمت رأسه بالكرسي والدماء تتسلل منه وأوراق الوردة الذابلة، فجأة صرخت سيدة أتت الشرطة قلّبت ذو القبعة السوداء وممرض الإسعاف منكسا رأسه حزينا تعاركت حمامتان في سماء القطار تهادت ريشة هبطت مستقرة على قبعته، في المشرحة وجد المسؤول ورقة أخيرة ممزقة كتب عليها» الخوفُ من المجهول حبيبتي بداية الاحتضار».