سهم بن ضاوي الدعجاني
سأبدأ بقول المفكر السعودي الدكتور عبدالله الغذامي: «وهذا ما نلاحظه في وسائل التواصل العام التي صنعت لنا مثقفاً تفاعلياً وحراً، يتحرك حيناً ويركد حيناً تبعاً لدرجة حساسية أو حيادية أي حدث يحدث فيسبب هبةً عاطفيةً وعقلية عامةً أو يمر مرار الكرام حسب نوعية ودرجة الحدث.
هذه هي حال المثقف العام العصري، والذي يشترك فيه العموم وتتبعهم النخب، لأن الذي يبدو اليوم هو تحرك العموم أولاً ثم لحاق النخب بهم، وهذا هو المشهد الواصف لحال المثقف المعاصر»، وهنا أستسمح ناقدنا الكبير لأضيف إلى قوله السابق أن مبادرة «الشريك الأدبي» التي أطلقتها وزارة الثقافة ممثلة في هيئة الأدب والنشر والترجمة، إيمانا منها بأن الثقافة أسلوب حياة كان لها دور كبير في صناعة (المثقف المتفاعل الحر)؛ لذا تسعى مبادرة الشريك الأدبي إلى عقد شراكات أدبية مع المقاهي التي تعمل على ترويج الأعمال الأدبية بشكل مبتكر وعصري تنافسي أقرب لمتناول المجتمع، مما يسهم في رفع الوعي الثقافي بشكل مباشر، وتستهدف المبادرة زوار المقاهي بتقديم فعاليات ومساهمات أدبية وثقافية لهم، تثري زيارتهم للمقهى وتجعل منها تجربة ثقافية مختلفة، وتمكنهم من التفاعل مع القطاع الثقافي، وقد قدمت مبادرة الشريك الأدبي الكثير في هذا السياق، بل إنها ساهمت بشكل غير مسبوق في صناعة المثقف التفاعلي الحر وهو بلاشك الصورة الحقيقية للمثقف العام العصري.
والدكتور عبدالله العمري يصف تلك المبادرة بقوله: «مشروع أدبي ثقافي سعودي ابتكاري عبقري؛ لا يحتكر فائدته على السعوديين بل يتعدى ليكون لمجتمع كامل يعيش فوق هذه الأرض وتحت سماء المملكة العربية السعودية من أبنائها أو المقيمين على أرضها، وهو جهد إنساني ومنتج بشري لن يصل إلى الكمال، ولكنه يقترب منه عندما يواصل تطوير أدواته، وجني ثمار ما يقال عنه، وما يكتب بحقه، وأن يكون قريباً من نبض المجتمع وصوت الناقد الموضوعي المنصف»، ولا ننسى أن مبادرة الشريك الأدبي ترفع شعارها المعروف: «من المقاهي إلى المجتمع.. نمهد للأدب طريقا «محققة أهدافها الكبيرة، ومنها : جعل الثقافة أسلوب حياة، وتعزيز قيمة الأدب في حياة الفرد ، ودعم انتشار الكتاب السعودي محليا وعربيا، وتعزيز دور مؤسسات القطاع الخاص والثالث للنهوض بالقطاع الثقافي، وإلهام الأفراد للإنتاج الأدبي والثقافي.
كما أن من معايير المقاهي الفائزة التي اعتمدتها مبادرة الشريك الأدبي المعيار رقم 7 والذي ينص على :»إبراز المواهب وتسليط الضوء على الأسماء الجديدة في المشهد الثقافي « وهذا يأتي في سياق ما هدف إليه الدكتور الغذامي من صناعة المثقف التفاعلي الحر»، طبعا لم تكن مبادرة الشريك الأدبي لتلعب هذا الدور الحضاري وحدها، بل ساهم معها عدد كبير من الأندية والكيانات الثقافية المدنية غير الربحية التي تحمل روح المبادرة التي أسسها عدد كبير من المثقفين والمثقفات في مختلف مناطق ومحافظات المملكة، منها: نادي وسم الثقافي الذي دشن بالمنطقة الشرقية أول برامجه في عام 2019 بمناقشة كتاب «رسالة إلى ابنتي» للدكتور نجيب الزامل رحمه الله، وبحضور نخبة من القراء والمثقفين والكتاب.
الأستاذة عبير العبدالقادر رئيسة نادي وسم الثقافي التي تمارس الثقافة وتحترف العمل من أجل التنمية الثقافية بمعناها الشامل، تقول: «الثقافة من أمامنا، ومن حولنا، وليس لنا من نجاة، إلا أن نسلم أنفسنا طوعاً وحباً، إلى هذا الغرق الجميل» وهذا يؤكد رسالة وسم وغيره من الأندية العصرية الحديثة التي تعمل ليل نهار على «التنمية الثقافية» عبر أساليب فعالة وإبداعية لخدمة الوطن ونهضته وثقافته، كما أن الأستاذ حمد القاضي الأديب المعروف يصف صالون نبل الثقافي لصاحبه الأستاذ منصور الزغيبي قائلا : «استطاع صالون نبل الثقافي خلال فترة وجيزة أن يسجل حضورا لافتا باختيار ضيوفه وتنوع حضوره من كافة الأطياف الثقافية؛ رجالا ونساء» والقائمة تمتد شمالا وجنوبا وشرقا وغربا من أجل ثقافة الوطن: نادي سمو الحرف، نادي خمائل الثقافي، صالون المهرة الثقافي ، صالون ضاد الثقافي ، صالون أثر الثقافي، نادي عبق الأدبي ، منتدى الخيال الأدبي ، صالون الوجه الثقافي، مؤسسة أدب، قافية لاونج، نادي كتاب، ومقاهي: بارا دايم، ديسكفري، مكتبة عريب، حبات القهوة، صوفيا، أرجوحة شرقية، رحى، الروقان، إسمنتيا، أثر الأدبي ، شاهي زعفران ، والقائمة تطول ..
مبادرة الشريك الأدبي قدمت خلال السنوات الماضية المثقف والمبدع الأقل حظا في الظهور، إن صحت العبارة، فهذه المبادرة منحت هؤلاء صوتا وحضورا يستحقونه..
السؤال الحلم:
كيف تستمر «مبادرة الشريك الأدبي» في إعادة صياغة المشهد الثقافي السعودي؟ وبناء المثقف التفاعلي الحر، لا شك أن ذلك سيتحقق من خلال:
• الحوكمة الثقافية للعمليات الدقيقة التي تتم داخل تلك المقاهي التي تمارس صناعة الثقافة بشكلها الجديد، لمزيد من جودة الأداء والنمذجة لتلك النجاحات.
• تصنيف تلك المقاهي الأدبية المشاركة في مبادرة الشريك الأدبي الى «فئات» حسب معايير معلنة تصف تميزها الثقافي وتأريخها في هذه المبادرة وإعلان ذلك في منصات هيئة الأدب والنشر والترجمة في سياق تعزيز الوعي الثقافي لدى المجتمع وليسهل اختيار الأجود منها للحضور والمشاركة..
• استمرار حضور الرئيس التنفيذي لهيئة الأدب والنشر والترجمة الدكتور عبداللطيف الواصل وعدد من أعضاء الهيئة لفعاليات مبادرة الشريك الأدبي، كما فعل في مقهى شاهي زعفران شرق مدينة الرياض ، مع التوسع في بقية مناطق ومحافظات المملكة مما يساهم في الوقوف على واقع هذه المبادرة النوعية، خاصة وأن هذه الزيارات تتجاوز ضيق «قياس رضا المستفيدين» إلى فضاء رصد نبض الشارع الأدبي عبر «اللقاء المباشر» الذ تجاوز ضيق «الروابط الرقمية على أهميتها العالية إلى فضاء الحوار والنقاش في أحضان الأدب والثقافة ، خاصة وأن إدارة الثقافة ليست كغيرها من إدارات «خطوط الإنتاج» لسبب بسيط وهو أن «المنتج النهائي» هو ثقافة وتاريخ وطن.
• ما أجمل أن يرتبط طلاب الجامعة بحضور فعاليات الشريك الأدبي من خلال اشراكهم في إدارة الأمسيات الأدبية التي تستضيفها تلك المقاهي الأدبية، ولعله يسبق ذلك، بناء شراكة بين وزارة الثقافة ممثلة في هيئة الأدب والنشر والترجمة ووزارة التعليم ممثلة في إدارات التعليم بالمناطق التعليمية، لحضور الطلاب فعاليات «الشريك الأدبي» ويساهمون بمواهبهم الشعرية والقصصية في إحياء ليالي مقاهي الأدب التي تحولت إلى منارات فكر وثقافة تشهد بنضج الحركة الثقافية في بلادنا.