إن من أجل ما تقدمه المملكة، وأشرف ما تبذله، هو خدمة الحرمين الشريفين، وضيوف الرحمن، فالأموال تنفق بلا عد، والجهود تبذل بلا حد، وجميع الخدمات والجهات تعمل بلا كلل ولا ملل، وهذا كله مشاهد وملموس، يدركه كل وافد للمشاعر المقدسة عيانًا، وواقعًا محسوسًا.
فالحج آمن، وضيوف الرحمن آمنون مطمئنون، والكل يسهر على مدار الساعة في خدمتهم وعونهم في قضاء مناسكهم، كما يحب ربنا وكما هم يأملون.
فالحمد لله من قبل ومن بعد، وهذا نهج موفق مسدد، وبفضل من الله مؤيد.
ولئن عدت مفاخر هذا الوطن، فإن من أجلها وأعظمها الجهود المبذولة في خدمة وراحة الحجاج، وخدمة كل من وفد للبقاع المقدسة، من كل الفجاج، فولاة أمر يوجهون، وبأنفسهم على كل شيء يقفون، وأمراء ووزراء ومسؤولون يتابعون، ورجال أمن ومنسوبو كل القطاعات في كل الميادين ينفذون، فحقهم على كل مواطن ومسلم في بلادنا، وفي كل أرجاء البسيطة، الدعاء لهم بين يدي رب الخليقة، وقد جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: (من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا، فقد أبلغ في الثناء).
ومن دخل مكة والمشاعر المقدسة أدرك كل ذلك بعين البصيرة، وشاهد جهودًا بالشكر والذكر الحسن جديرة.
وبحق كان حج هذا العام استثنائيًا ومتميزًا، وشهد نقلةً نوعيةً في تنظيمه، فكان حديث كل من عاش أيامه، وحضره وتابعه عبر وسائل الإعلام، ونزل المشاعر، فكتب عنه، فوفد الله من حجاج بيت الله أدوا المناسك في أمن وطمأنينة، وفي يسر وراحة وسكينة.
وقد لاحظ الجميع اختفاء كثير من المظاهر السلبية، وتجاوزات البعض للإجراءات والتعليمات النظامية، والتي تدل على أن الحكومة السعودية كانت وما زالت تمضي قدمًا في الارتقاء بكافة الخدمات، واستنفار الجهود عبر كل القطاعات، فنجاحات أعمال التنظيم والتفويج وإدارة الحشود هذا العام كانت مذهلةً، وبجهود رجال الأمن وجميع القطاعات العاملة، وبما يؤكد للعالم أن الحج والمشاعر المقدسة في أيد أمينة.
فالكل يعمل بهمة مستشعرًا شرف الخدمة، وأمانة المهمة، ولا غرابة؛ فالخدمة كانت في المشاعر المقدسة، والمخدوم هو ضيوف الرحمن في أعظم شعيرة، فكيف لا يكون هناك استشعار مع قيادة حكيمة وأجهزة حكومة رشيدة؟ تعمل بلا كلل ولا ملل، توجيهًا وتخطيطًا وتنفيذًا ومتابعةً، وتسخر كافة الإمكانات المالية والأمنية والصحية، والإرشادية والإعلامية والخدمية، وبأعلى المعايير العالمية من أجل شرف هذه الشعيرة التي من أجلها تفنى الأعمار، ويعمل بهمة وعزيمة ليل نهار، ويقدم الغالي والنفيس قربةً لله أولًا، وإيمانًا بواجب المسؤولية؛ فخدمة الحرمين مقام جليل وفضل عظيم اختص الله به هذه القيادة.
وفي هذا المعنى يقول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز:
«لقد شرف الله المملكة العربية السعودية بخدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن، خدمة نفتخر بها، فجعلنا رعيتهم، وسلامتهم في قمة اهتماماتنا، وسخرنا لهم كل ما يعينهم على أداء حجهم».
فشكرًا للقيادة الرشيدة وكل المسؤولين والأفراد، وجميع العاملين بكل اجتهاد، شكرًا على قيامهم بحق أمان ربهم، وشكرًا على همتهم وبذلهم، شكرًا ودعاء الله لهم بأن يبارك أعمالهم.
شكرًا لخادم الحرمين الشريفين.
شكرًا لسمو ولي عهده الأمين.
شكرًا لسمو وزير الداخلية.
شكرًا لسمو أمير مكة المكرمة وسمو نائبه.
شكرًا لسمو أمير المدينة المنورة.
شكرًا لمعالي رئيس أمن الدولة.
شكرًا لمعالي وزير الحج والعمرة.
شكرًا لمعالي وزير الصحة.
شكرًا لمعالي وزير الإعلام.
شكرًا لمعالي أمين العاصمة المقدسة.
شكرًا لمعالي أمين المدينة المنورة.
شكرًا لمعالي مدير الأمن العام.
شكراً لوزارة الداخلية وقياداتها، والمسؤولين فيها ومنسوبيها.
شكرًا لجميع وزرائنا وعلمائنا ومسؤولينا بمختلف المهام والدرجات والمراتب.
شكرًا لجميع العاملين في خدمة الحجاج والمشاعر المقدسة، وبقاعها المشرفة.
شكرًا لوزارة الحج والعمرة.
شكرًا لوزارة الصحة.
شكرًا لوزارة الإعلام.
شكرًا لهيئة كبار العلماء ورابطة العالم الإسلامي، ومراجع الفتوى والإرشاد، والشؤون الدينية.
شكرًا لهيئة العناية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي، وكل من تشرف بالخدمة فيها.
شكرًا لجميع الوزارات المعنية.
شكرًا لجميع الجهات الأمنية والعسكرية.
شكرًا لقادة جميع قطاعاتها وأفرادها، ولجميع منسوبيها والعاملين في كل مرافقها الميدانية والطبية والصحية.
شكرًا لجميع الإعلاميين الذين كانوا رسل أمانة في نقل واقع الحج المبهج، وما فيه من راحة الحجاج والمعتمرين والزائرين، وقاصدي بلد الله الأمين، ومدينة خير المرسلين.
شكرًا لكل من قدم خدمةً.
شكرًا لكل من خطط وساهم في نجاح عمل ومهمة.
شكرًا لا يوفيه الشكر ذاته، ولا الحمد نفسه.
فاللهم لك الحمد من قبل شكرًا، ولك الحمد من بعد اعترافًا وامتنانًا.
حمدًا لا يوافي جزيل فضلك، ولا يكافئ عظيم نعمك، وجليل عطائك.
وأما الأبواق المأجورة، ذات الشعارات المسعورة، فلا يستغرب منهم صياحهم ونباحهم، فهم كعادتهم في وحل الكذب انغمسوا، وزادوا غيًا فبهتوا، ولمقالات وفتاوى الإفك والكذب اعتادوا، يهرفون بما لا يعرفون، وبضلالهم وزيغهم ينحدرون، فيقال لـمثلهم: (من عدم الصدق فليستح من ربه، وليستح من نفسه؛ فلا يعدم المروءة).
ولكن أنى لكم المروءة، وأنتم قد انشغلتم بعبادات المسلمين، وفروض الإسلام العظمى، في إشعال فتيل الغوغاء والفتنة، والتهييج والكذب عليها، وبمزايدات سياسية وحزبية بعيدة عن مناهج الإسلام والصدق المرعية.
ومثل من هذا نهجهم، هل من سلامة دينهم ومروءة أفعالهم تخذيل المسلمين عن عباداتهم، وتشكيكهم في فروضهم؟
فما أقبح شعاراتهم التي تردد عن الحج، والتي أترفع عن ذكرها؛ لأنها مما تشمئز عنها الفطر السليمة، والقلوب والنفوس الزكية، وتستقبحها الأسماع والأفكار النقية! ومنهم من يزعم لبوس الدين والفتوى، وآخرون يتقمصون زورًا شعارات الإصلاح والدعوى!
فلبئس ما يزعمون، وما كانوا له يخططون ويصنعون، وحقيقتهم أنهم مفسدون غير مصلحين، وشعاراتهم التي يروجون لها عن الحج، هم بها ضالون ومضلون، وكل ذلك يؤكد فساد نهجهم، وقلة دينهم ومروءتهم، وانحراف منهجهم وطريقتهم، فمن هانت عليه مناسك وشعائر الإسلام، فبكل تأكيد هان عنده كل ممنوع وحرام.
إن المزايدة على المسلمين في حجهم وصيامهم وعباداتهم دليل انعدام المروءة، فمن كان هذا حاله، كيف يرجى صلاح وصدق مآله؟!
لقد كان الكفار في الجاهلية - رغم شركهم وكفرهم - عندهم شيء من المروءة والعدل من أنفسهم، وكانوا يفعلون من التجاوزات ما يفعلون، لكنهم كانوا عند الشعائر والفروض المقدسة يتورعون ويقفون، حتى إن الرجل منهم ليجد قاتل أبيه، فلا يتعرض له؛ مراعاةً وتعظيمًا للمكان والزمان التي جاءت حرمتها من الملك الديان.
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله- في تفسيره: (ومن الآيات البينات فيها أن من دخله كان آمنًا شرعًا وقدرًا. فالشرع: قد أمر الله رسوله إبراهيم عليه السلام، ثم رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم باحترامه وتأمين من دخله، وألا يهاج، حتى إن التحريم في ذلك شمل صيودها وأشجارها ونباتها.
وأما تأمينها قدرًا: فلأن الله تعالى بقضائه وقدره وضع في النفوس، حتى نفوس المشركين به الكافرين بربهم احترامه، حتى إن الواحد منهم مع شدة حميتهم ونعرتهم وعدم احتمالهم للضيم يجد أحدهم قاتل أبيه في الحرم فلا يهيجه، ومن جعله حرمًا أن كل من أراده بسوء فلا بد أن يعاقبه عقوبةً عاجلةً، كما فعل بأصحاب الفيل وغيرهم).
فالحمد لله الذي جعل بلده الحرام وحج الإسلام آمنًا بقضائه وقدره الأزلي، وجعله آمنًا بما يقدمه من اختارهم الله لخدمتها بأجل عمل واهتمام نوعي.
فأقول لمن هانت عليه حرمات شعائر الإسلام بتخذيل الناس عنها، وكذبه وترويج الأكاذيب عليها: ترقبوا عقوبة الله قبل البشر، وانظروا سوء عاقبة من كان قبلكم وحاله، فما تعرض لحرم الله وخادميه وقاصديه أحد إلا حلت عليه العقوبة في الدنيا والأخرى.
ويزاد لهم القول نصحًا بترك ما هم فيه من سوء منهج، وقبح طريق: إنكم في فعلكم هذا شابهتم من بغى وأفسد في المشاعر المقدسة، وبقاعها المحرمة، وألحد في حرم الله؛ فليحذروا أن يحل عليهم ما حل بمن قبلهم، فوعيد الله إذا وقع ليس منه مفر.
هذا، والحمد لله من قبل ومن بعد، والله حسبنا، وعليه اتكالنا، وحفظ بلادنا.
** **
د. عصام بن ناهض الهجاري - عضو هيئة التدريس بجامعة طيبة