محمد بن عيسى الكنعان
قد يقول بعضهم عن الجمهورية الإيرانية إنها مصدر قلق في المنطقة، ودولة خارجة على القانون، وذات أطماع توسعية، وتدعم الجماعات المتطرفة بالمنطقة، وربما أكثر من ذلك، لكن هذا لا يعني العدوان عليها، وتهديد وحدة أراضيها، أو تبرير قصفها وانتهاك سيادتها وقتل شعبها، فقانون الغاب والتدخل في شؤون الدول لا يمكن قبوله في المجتمع الدولي، وهذا ما أكدته المملكة عبر بيان وزارة الخارجية من أن الاعتداءات الإسرائيلية تمثل انتهاكًا ومخالفة صريحة للقوانين والأعراف الدولية ومساسا بسيادة إيران وأمنها، فما بالك وهذه الاعتداءات لا تصدر من دولة مجروحة من إيران، أو بينهما ما صنع الحداد، إنما تصدر من دولة لقيطة، وكيان سرطاني مزروع في منطقتنا، ويحتل أرضًا عربية، تصدر من دويلة احتلال تدّعي الرغبة في السلام، وهي تصنع الحروب، دولة صهيونية تمارس العنصرية، ولا تكف عن لغة التعالي ووجوب تفوقها النوعي، فتكرر عدوانها على جيرانها، فجرائمها المروعة شاهدناها في غزة، وحجم الدمار رأيناه في لبنان، وانتهاك سيادة الدول تكرر في سوريا، واليوم تجعل من نفسها قاضيًا دوليًا لتُحاكم إيران بحجة امتلاكها لسلاح نووي قد يهددها، ويضع مصيرها في كف المرشد الإيراني. قد لا نتفق مع التوجهات الإيرانية في مساعيها النووية لكونها غير واضحة، لكن المفارقة بين الحالتين الإيرانية والإسرائيلية بالشأن النووي تبدو عجيبة؛ فإيران موقعة على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وإسرائيل لم توقع، إيران لم يثبت امتلاكها أسلحة نووية فلا زالت في طور تخصيب اليورانيوم، بينما إسرائيل تملك قرابة 400 رأس نووي، إيران متعاونة مع وكالة الطاقة الدولية، وإسرائيل لا تعترف بالوكالة أصلًا.
رغم كل ذلك؛ إسرائيل أعطت لنفسها الحق في العدوان وضرب إيران، على الرغم من أن المفاوضات حول الملف النووي الإيراني بين أمريكا وإيران لم تصل إلى طريق مسدود، وحتى إن فشلت المفاوضات ليست إسرائيل بالوضعية التي تخلوها أن تُبادر بمعالجة هذا الملف، فهناك مجتمع دولي يُقرر، فمن خولها بذلك؟ وهي أساسًا دولة غير شرعية، ومن أعطاها الحق وأغراها للإقدام على هذا العمل الهمجي؟ ومن فتح لها المجال للعربدة بالمنطقة، وضرب استقرارها، وتهديد أمن دولها في حال اتسعت رقعة الحرب؟ هذه الأسئلة وغيرها ليس لها إلا إجابة واحدة إنه (التواطؤ الغربي) السافر. فللأسف أن الغرب بشقيه الأمريكي والأوروبي أطلق يد إسرائيل بالمنطقة بشكل مقزز مع الدعم الكامل، لدرجة أن مسؤولا أوروبيا يُبرر قتل أطفال غزة حمايةً لإسرائيل، ورئيس أوروبي يُعطي إسرائيل وحدها الحق بالدفاع عن نفسها. هذا المشهد بصورته المتكاملة لا يعكس مواقف حكومات تحترم حقوق الإنسان كما تدعي، وأنظمة تراعي سيادة الدول كما صدعت رؤوسنا باحترام القانون الدولي، إنما حكومات منافقة، ودول تعيش على الازدواجية السياسية، والكيل بمكيالين لحماية الإرهاب الإسرائيلي، ما يعني أن الغرب لن يتخلى عن كيان صهيوني غاصب زرعه منذ أكثر من 75 عامًا في خاصرة أمتنا، ويدعم دولة هي أشبه بقاعدة عسكرية متقدمة لمصالحه في المنطقة العربية؛ لهذا فلن يتوقف إجرام إسرائيل إلا إذا تغيرت معادلة المصالح بين دول المنطقة والحكومات الغربية.
أما استمرار العربدة الإسرائيلية تحت مظلة التواطؤ الغربي فقد يؤدي إلى مغامرة جديدة تقوم بها دويلة الكيان الصهيوني ضد دولة أخرى، فهناك تسجيل قديم لمقابلة تلفزيونية مع نتنياهو يُشير إلى إيران ثم باكستان في موضوع القدرات النووية.