حسن اليمني
شهدنا خلال العامين الأخيرين أحداثاً ظهرت وانتهت بغير ما كنّا نتخيل ونتوقع، حتى يكاد المرء يظن أنه يعيش واقعاً خيالياً أو كاذباً، هل هو عالم الإعلام بالصوت والصورة أم خداع السياسة والتسريبات الإخبارية الملغومة؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هي الحقيقة؟ حقيقة الواقع الحقيقية المخفية؟
بدأت الأحداث العظيمة في المنطقة فجر يوم السابع من أكتوبر للعام 2023م حين باغتت حركة حماس في غزة الكيان المحتل، واخترقت حواجز قوته وقدراته بمختلف أنواعها عسكرياً واستخبارياً وتقنية واستعداداً، فقط ساعات معدودة وإذ بحماس تنتشر في مغتصبات صهيونية وتأسر وتقتل أعداداً كبيرة من العسكر الصهيوني، وتستولي على ملفات استخبارية من حواسيب الجيش والمخابرات الإسرائيلية، بعملية لم يكن يتخيلها عدو ولا صديق، وليست إلا فترة أشهر حتى تفجرت أجهزة «البيجر» في أيدي عناصر حزب الله، تفقأ أعينهم وتقطع أيديهم وتحرق أنوفهم ولا يكتمل ذلك إلا بنقل زعيم حزب الله إلى العالم الآخر دون جثة حتى، وما أن يحل محله آخر حتى يلحق به قبل أن يبدأ البسملة في خطاب التنصيب، إلى أن انتهى حزب الله كفص ملح ذاب بلا صوت ولا صورة ولا ضجيج، وبرغم أن الأمر كان خارج المنطق والمعقول إلا أن اغتيال زعيم حركة حماس إسماعيل هنية على سرير الضيافة في طهران جعل البعض يشعر أنه يعيش في عالم خيالي لا حقيقة له.
وفي صباح يوم الجمعة 13 يونيو الفائت يفاجئ الكيان المحتل المنطقة بهجوم صاعق يدمر قواعد ومنصات، ويغتال قادة وعلماء خلال دقائق وقبل أن تستوعب طهران ما يحدث، وما هي إلا ساعات حتى تدك الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية مواقع حساسة في الكيان المحتل، وندخل في جولات من الضرب الصاروخي المتبادل والكل يراقب في دهشة وخوف من أن تنفلت الأمور إلى حرب عالمية.
ما الذي يحدث في حقيقة الأمر وليس الخيال والاعتقاد، كيف استطاع ثُلّة من المقاتلين في غزّة من إشعال القيامة في العالم كله ليجعل الكيان المحتل يترنح كالثور المطعون بعدّة رماح، ثم نفاجأ بسقوط أكثر من أربعة آلاف عنصر من حزب الله في مجزرة «البيجر»، ويسدل الستار على ما كان يسمى بحزب الله بدفن زعيمه الذي أخذ بلثغة في لسانه زعامة المقاومة ضد الكيان سنوات طويلة.
لقد ظهر جلياً ودون أدنى لبس أن قوة الكيان الصهيوني تكمن في وفرة الخونة كآذان وأعين للكيان الصهيوني في دول المنطقة، في حين أن السلاح والقدرة على الإيذاء أصبحت متوازية بامتلاك الصواريخ والطائرات المسيرة حتى لدى عصابات الحروب ناهيك عن الدول، ودليل ذلك يظهر في نجاح حماس في غزّة يوم السابع من أكتوبر بتحقيق الانتصار العسكري والتقني والاستخباري ضد أعتى الدول وأقواها، وما كان ذلك إلا بسلاح خنق الخيانة ودسّها في التراب، في حين أن طهران تفاجأت بإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة تجاه تجمعات القادة العسكريين في وعلماء الذرة والصواريخ البالستية في منازلهم من قبل عملاء المخابرات الصهيونية، وكذا الحال مع حزب الله الذي صُدم بتفجر أجهزة الإرسال بين أيدي عناصره، ثم وصول القنابل الأمريكية إلى أعماق الأرض لإزهاق أرواح قيادة الحزب بمن فيهم زعيمهم، وقد لا يكون ذلك نتيجة خيانة لكن ربما غفلة عن أعمال استخبارية إسرائيلية - أمريكية بزرع أجهزة تنصت صوت وصورة في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية منذ العام 2017م – كما تدعي تقارير استخبارية –، وكانت كل حركات الحزب وقياداته مرصودة وتحت المراقبة، ومعلوم أن الغفلة والخيانة وجهان للهزيمة.
هناك دروس وعبر فيما حدث خلال العامين الماضيين يمكن من خلال قراءتها وبحث معطياتها بناء رسم استراتيجي شامل لتصحيح وضع المنطقة وواقعها، وإذا كان السلاح والحصول عليه وتصنيعه أمر مهم للغاية فإن صيانة وحماية العقول أهم في الاهتمام والعناية والرعاية بكل الأدوات التعليمية والإعلامية والثقافية التي تفجر طاقات المواطنة الحقيقية الصادقة المخلصة، للقضاء على وباء الخيانة والغدر الذي اعتمده الكيان المحتل في مواجهة خصومه وهزيمتهم وقهرهم، كما شهدنا مع حزب الله ومع إيران، بما يجعل الصوت والصورة مطابقاً تماماً للجغرافيا والتاريخ لتكون الحقائق كاسحة مدمرة للخيالات والظنون.