تغريد إبراهيم الطاسان
مع انطلاق اختبارات نهاية الفصل الدراسي في التعليم العام لهذا العام، برزت إلى السطح تساؤلات حادة ومكررة من أطراف المنظومة التعليمية: الطلاب، المعلمون، وأولياء الأمور.
فبين نظام دوام لا يستند إلى تفسير واضح، وجدولة غير مفهومة بين «الاختبارات» و»استمرار الدراسة»، عاد السؤال الأهم للواجهة: هل الوزارة تستمع فعلًا لأصوات من في الميدان؟ أم أن الفجوة آخذة في الاتساع؟
في كثير من المدارس، بدا المشهد متناقضًا: طلاب يؤدون اختباراتهم، ثم يُطلب منهم البقاء في فصول لم تعد تقدم محتوى ذا صلة.
معلمون أنهوا شرح المنهج بالكامل، ويؤدون مهام روتينية تفتقر إلى القيمة التربوية. وأولياء أمور يتساءلون يوميًا: ما الهدف من هذا الامتداد الزمني، وما جدوى بقاء الطلاب بعد أداء اختبارهم النهائي؟
اللافت في الأزمة ليس في القرار فقط، بل في غياب التوضيح. فالوزارة لم تقدّم توجيهًا إعلاميًا مفسّرًا، ولم تبادر بطمأنة أولياء الأمور أو الاستماع لملاحظات المعلمين.
ويبدو أن قرارات التعليم العام تُصاغ ثم تُعمم، دون المرور عبر «مسارات الاستماع» لأي من الشركاء الفعليين في العملية التعليمية.
في بلد تتقدم فيه كل القطاعات نحو الشفافية والحوكمة والمشاركة المجتمعية، يظل قطاع التعليم - رغم ما يُبذل فيه من جهود - متأخرًا في التواصل مع المجتمع الذي يفترض أن يكون شريكًا في صناعة قراراته.
عشرات المعلمين تحدّثوا هذا الأسبوع عن ارتباك الجدول، وغياب فائدة ملموسة من أيام «ما بعد الاختبارات». بعض المدارس اضطرت لتنظيم أنشطة لا علاقة لها بالمحتوى التعليمي، وبعض الطلاب ينهون اختبارهم الأول صباحًا، ثم يبقون في المدرسة حتى الظهر بلا غاية واضحة.
أولياء الأمور هم الآخرون طرحوا تساؤلاتهم عبر المنصات الاجتماعية: لماذا لا تنسّق الوزارة مع من يعيشون الواقع؟ وما آلية اتخاذ القرار؟ وهل يملك الميدان قناة حقيقية لإبداء الرأي أو تقديم بدائل؟
والكل يعاني من غياب التوضيح الرسمي الذي لا يصنع فقط فجوة معلومات، بل يهدد ثقة المجتمع في آلية اتخاذ القرار التربوي.
ولئن كانت الوزارة تملك رؤيتها، فالواجب أن تُعرض، وتُشرح، ويُفتح النقاش حولها بشفافية ومسؤولية. فالأهل ليسوا خصومًا للعملية التعليمية، بل شركاء أصيلون في نجاحها. وكذلك المعلمون، الذين يحملون العبء الأكبر ويعيشون الواقع ساعة بساعة.
الطلاب أنفسهم، وهم جوهر النظام التعليمي، باتوا أكثر وعيًا، ويسألون اليوم بصوت عالٍ:
هل من يسمعنا؟ وهل نُعتبر طرفًا في المعادلة؟ أم أننا مجرد أرقام في جدول الحضور والانصراف؟
ونقولها بصراحة آن أوان المشاركة لا التوجيه..!
فما يحتاجه التعليم العام ليس مجرد قرارات إدارية «من فوق»، بل عودة إلى الميدان، وإشراكه لا كمستقبِل، بل كصانع ومُقيّم. فنجاح أي نظام تعليمي لا يقوم على الخطط فقط، بل على قبول المجتمع لها، ووضوح أهدافها، وتكامل أطرافها.
الوزارة أمامها فرصة اليوم قبل الغد، لتثبت أنها تستمع وتشارك وتتطور. وإلا فإن الهوة بين القرار والميدان ستتسع، وسيستمر الغموض في تغذية حالة «عدم الرضا» التي تزداد كل فصل دراسي.