منصور ماجد الذيابي
كما يعلم الجميع بأن الحرب التي اندلعت بين إسرائيل وإيران في الثالث عشر من يونيو حزيران 2025 كانت مفاجئة ومباغتة بالنسبة للجانب الإيراني حين شنت إسرائيل سلسلة من الضربات الجوية على أهداف عسكرية شملت منشآت نووية ومصانع صواريخ باليستية وقادة عسكريين وعلماء نوويين، إضافة لمواقع أخرى مدنية مثل هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيراني والكثير من المواقع المدنية الأخرى، ما جعل الجانب الإيراني يرد بوابل من الصواريخ الباليستية على تل أبيب ومدن أخرى في العمق الإسرائيلي وتحديدا في منطقة النقب وبئر السبع وديمونا مما أسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا بين الجانبين اللذين يمتلك كل منهما ترسانة عسكرية ضخمة جدا من الصواريخ والمسيرات والطائرات الحربية والرؤوس النووية والمنظومات الدفاعية والعتاد العسكري بكل أنواعه وأشكاله.
كما نعلم جميعا بأن هدف إسرائيل من شن الضربات الجوية هو منع إيران من إنتاج وامتلاك أسلحة نووية وإضعاف حلفائها وأتباعها مثل حزب الله في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن وحركة حماس في قطاع غزة، ذلك القطاع الذي لا يزال ينزف وينهار جراء القصف الإسرائيلي منذ العام المنصرم وحتى يومنا هذا.
وكنت أشرت في مقال سابق بعنوان (حرب اليوم الواحد) إلى الحرب الأولى بين الجانبين الإيراني والإسرائيلي والتي كانت اندلعت في أعقاب قصف الطائرات الإسرائيلية لمبنى القنصلية الإيرانية في سوريا في الأول من أبريل، نيسان 2024 وما نتج عنه من مقتل أحد قادة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني وسبعة عسكريين آخرين في الحرس الثوري، وما تلى هذا القصف من تهديد إيراني برد عسكري دام يوما واحدا فقط بين الجانبين، غير أن هذه الحرب التي اندلعت مؤخرا بين إيران وإسرائيل تحدث في ظل تصاعد التوترات الإقليمية العسكرية في منطقة الشرق الأوسط بالرغم من كل الجهود الدبلوماسية التي تبذلها القيادة الحكيمة في المملكة العربية السعودية لاحتواء الأزمات السياسية والصراعات العسكرية في بعض البلدان العربية وفي أوكرانيا وغيرها من دول العالم إضافة للجهود الدبلوماسية السعودية في استقرار الأوضاع وإحلال السلام في سوريا واليمن والسودان وفلسطين.
كل هذه الحروب، ومنها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والجنوب اللبناني، والحرب الأهلية في السودان واستهداف الحركة الحوثية للسفن التجارية في بحر العرب ومضيق باب المندب وما تلاه من قصف أمريكي موجع على مقرات ومعسكرات الحوثيين في صنعاء والحديدة ومدن يمنية أخرى عانت من ويلات القصف الأمريكي حتى تم إعلان الحوثيين الاستسلام والاتفاق مع أمريكا على إنهاء النزاع بينهما مقابل توقف الحوثيين عن قرصنة واستهداف السفن التجارية الأمريكية.
كل هذه الحروب بما فيها الحرب على السفن التجارية في بحر العرب زعزعت الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، كما ذكرت في مقال سابق بعنوان «دوافع الأشرار وراء زعزعة الاستقرار»..
وفي تقديري كمراقب للشأن الدولي والإقليمي أرى أن الحرب اليوم بين إيران وإسرائيل التي تحظى بدعم أمريكي لوجستي وتقني وتسليحي واستخباراتي ليست إلا حلقة من سلسلة حروب سابقة في الشرق الأوسط، وليست إلا امتدادا لحروب إسرائيل في المنطقة العربية وتحديدا في قطاع غزة وجنوب لبنان وأجزاء من سوريا بدعم من الإدارة الأمريكية الحالية التي تسعى منذ زمن بعيد لجعل ميزان القوة العسكرية في المنطقة العربية يميل لصالح الكيان الصهيوني، الذي يتمادى ويستمر بافتعال الأزمات والحروب في ظل التصريحات المتتالية للإدارة الأمريكية منذ بدء الحرب بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي يهدد الوجود الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط بأكملها، فضلا عن تصريحات البيت الأبيض بأن الولايات المتحدة الأمريكية قد تدخل في هذه الحرب وتقصف منشأة فوردو النووية لا سيما وأنها قامت مؤخرا وفقا لمصادر إعلامية بتحريك فرقاطة مدمرة الصواريخ توماس هنتر من أوروبا إلى شرق المتوسط في مؤشر على قرب التدخل الأمريكي ضد إيران .
وهنا أعتقد أنه في حال انضمت الولايات المتحدة الأمريكية للحرب بين إيران وإسرائيل فإنه من المرجح انضمام دول أخرى حليفة لإيران مثل باكستان وكوريا الشمالية وربما تركيا أو روسيا وفقا لتكهنات محللين عسكريين، وبالتالي انتقال الحرب بين دولتين إلى حرب عالمية ثالثة تشترك فيها دول أخرى تمتلك ترسانة عسكرية لا تقل خطورة وقوة تدميرية عن تلك التي تمتلكها أمريكا وإسرائيل.
وكما أوضحت سابقا في مقالات الحروب وتحديدا في مقال بعنوان: «ماذا بعد إشعال الحرائق في الشرق الأوسط» بتاريخ التاسع عشر من نوفمبر تشرين الثاني من عام 2016، فإن إشعال الحرائق خلال حقبة ما يسمى بثورات الربيع العربي في المنطقة العربية وما تلاها، يأتي كمرحلة أولى تمهيدية تسمح لإسرائيل ولإيران وبمساعدة من روسيا وأمريكا للبدء في مرحلة أخرى، تتمثل في الهيمنة والسيطرة على مناطق التوتر والنزاعات المسلحة خلال فترة الثورات العربية، وبالتالي العمل على إنجاز مشروع الدول الكبرى المتمثل في «الشرق الأوسط الجديد» نيابة عن الدول الكبرى.
ومن هنا، ظهر ما يسمى بمحور المقاومة والممانعة لينوب عن تلك الدول الكبرى في زلزلة وتفكيك وحدة البنيان العربي، لتبدأ مرحلة تنفيذ المشروع الذي يتفق مع سياسة الكبار ويخدم أهدافهم. فالطائرات الحربية للدول الأجنبية تدمر البنى التحتية بالصواريخ، لتسمح للقوى والمليشيات المتعاونة بالتحرك تحت هذا الغطاء الجوي لأجل التوغل والسيطرة على الأرض من ناحية وتفجير الصراعات الطائفية من ناحية أخرى.
وهنا أتساءل في ظل تزايد المخاوف من اتساع نطاق الحرب الإيرانية الإسرائيلية واستخدام أسلحة فتاكة يتجاوز خطرها طرفي الصراع المسلح وينعكس سلبا على موارد ومصالح المنطقة والعالم أجمع، أتساءل عن غياب دور الأمم المتحدة حتى الآن، وكيف سيكون موقف المجتمع الدولي إزاء الحرب التي سيكون القطب المنافس لروسيا طرفا فيها إلى جانب إسرائيل التي تقوم بدور مشابه للدور الذي لا زالت تقوم به أوكرانيا ضد الاتحاد الروسي في حربها المستمرة منذ سنوات بدعم أمريكي وأوروبي مقابل تحقيق هدف عسكري يتمثل في إضعاف قدرات الجيش الروسي من ناحية، وهدف اقتصادي آخر يتمثل في الحصول عَلى ثروة المعادن الضخمة فـي الأرض الأوكرانية من ناحية أخرى.