أوس أبو عطا
تختلف كل حرب يشنها أي طرف ضد أي طرف آخر بالأهداف، فلكل حرب غايات محددة وأهداف معلنة وتسعى لتحقيق نتائج مخطط لها مسبقا، وتنتهي هذه الحرب بتحقيق النتائج المرجوّة، وبالتالي من الطبيعي أن تختلف الطرق والأدوات التي يتم بها مواجهة هذه الحرب، ومن الطبيعي أيضا أن يسعى كل طرف لإفشال الطرف الآخر وعدم تحقيق ما كان ينشده من الحرب.
في الأيام الماضية، شنّت إسرائيل هجوما استباقيا ودقيقا لضرب المشروع النووي الإيراني، عشرات الطائرات الحربية ضربت عشرات الأهداف العسكرية التابعة للنظام الإيراني ومن بينها أهداف نووية وصواريخ باليستية في مناطق مختلفة من إيران. ليس هذا وحسب؛ فقد تم اغتيال قيادات عسكرية بارزة وعلماء نوويين، وأطلق الموساد مسيّرات إسرائيلية من داخل إيران ذاتها، أي أن الهجوم على إيران بدأ من داخل إيران، وهذا يذكرنا بتفجيرات البيجر والووكي توكي واغتيال كبار قادة حزب الله. وفي المقابل نلحظ أنّ القيادات الإيرانية لم تتعلم من الدرس القاسي الذي تلقاه حزب الله في لبنان، فهي كذلك لم تفلح في سد الثغور الأمنية؛ وهنا أعني على وجه التحديد منذ فترة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في عقر دار الحرس الثوري إلى يومنا هذا.
وفي ذات السياق، على الرغم من إعلان الجهات الأمنية الإيرانية بين حين وآخر عن إلقاء القبض على بعض الجواسيس والعملاء وعدم تهاونها في محاربتهم، لكن يبدو أن الاختراق الأمني الإسرائيلي متجذر ويتسع كل يوم بفعل الحرب، مما عقّد المهمة الإيرانية في مكافحته، كما نقول بالمثل الشّعبي السّائر (اتسع الخرق على الراتق).
وتأسيسا على ما سبق، من البيّن أن الحرب الإسرائيلية على إيران هي لضرب البرنامج النووي الإيراني، من مفاعلاته وعلمائه، واستهداف الصواريخ الباليستية، والقضاء على المنظومة التقنية والبشرية التي تقوم بتطويرها، وعليهِ؛ فالحرب تتركز ضد أهداف عسكرية وبشرية منتقاة وواضحة بشكل كبير لأي مراقب.
وإذا عكسنا المرآة على فلسطين، لوجدنا أن حرب الإبادة الإسرائيلية الشاملة ضد الشعب الفلسطيني تلجُ أعنف مراحلها وأشرس تطوراتها، محققة أهدافا يمينية أكثر تطرفا من ذي قبل، يُستغل فيها انشغال العالم بأسره في الحروب الحالية، وكما نقول إن الكاميرا مسلّطة على إيران والزووم على طهران، مع الأخذ بعين الاعتبار الرغبة العارمة للإعلام العبري والمتجلّية بصرف النظر عن المجازر الجماعية في غزة التي يرتكبها اليمين المتطرف بحيث لا تكون الخبر الأوّل على شاشات التلفزة وتجميد التفاعل العالمي مع الضحايا الفلسطينيين.
فأعداد الشهداء في ازدياد، والمذبحة تتسع، والمجاعة تتفاقم، وبركة الدم تكبر. المذبحة اليوم على مستوى الوطن وليس على مستوى القرية كما حدث في دير ياسين أو كفر قاسم أو الطنطورة، حين كان عدد الشهداء بالعشرات وليس بعشرات الآلاف كما حدث في قطاع غزّة.
ولا آتي بجديد عندما أقول إن الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في غزّة هي حرب ضد كل شيء يمت بأي صلة إلى الحياة، ضد البشر والشجر والحجر، وضد الزهرة والفراشة والعصفور والتلة والمسجد والمدرسة والمستوصف.
من البيّن أن أمّ الغايات الإسرائيلية هي تفريغ غزّة من مواطنيها بشكل كامل، وترحيل كافة الفلسطينيين من الضفة الغربية، وخلق بيئة طاردة للفلسطينيين في أرضهم لإجبارهم على الرحيل. وهنا يكمن الفرق الكبير والبون الشاسع بين حرب إسرائيل على الفلسطينيين وحربها مع الإيرانيين.