عايض بن خالد المطيري
الحروب تطرق أبواب الجغرافيا من كل اتجاه، والنيران تقترب أكثر من أي وقت مضى، بينما نحن في دول الخليج نعيش في استقرار يُعدّ استثناءً لافتًا وسط خريطة ملتهبة. لسنا محظوظين فقط، نحن محصّنون بعد توفيق الله بقياداتٍ تقرأ المتغيِّرات بذكاء وتُدير ملفات الأزمات بسياسة النفس الطويل. لكن الحقيقة التي يجب ألا تغيب: الاستقرار لا يعيش وحده، بل يحتاج لحراسة دائمة، ووعي لا ينام، وولاء لا يتأرجح.
في الوقت الذي تهوي فيه مدن من حولنا تحت وطأة الصواريخ وتعجز عن توفير رغيف الخبز لمواطنيها، تُبنى عندنا مدن جديدة، وتُطلق برامج ورؤى اقتصادية، وتُرسم خرائط تحول طموحة. هذه ليست إنجازاتٍ عادية، بل مشهد يُغيظ الحاقدين ويُقلق المأجورين. لذا، فلا غرابة أن تتكاثر علينا التحليلات المسمومة من كل جهة: قناة تنتقد، حساب يهمس، ومقطع يصوَّر بذكاء لكنه يُغلف السُمّ بقطعة سكر. العدو لم يعد يظهر بزي عسكري، بل بلباس ناشط أو «محلِّل مستقل».
المشكلة ليست في الخارج فقط، بل في قابلية بعضنا للتصديق السريع والانجراف خلف عبارات مثل «من حقنا نعرف» أو «نقد بنّاء»، بينما بعض ذلك «الحق» لا يُراد منه إلا زعزعة الثقة. لا يُطلب من المواطن أن يكون خبيراً إستراتيجياً، بل أن يكون مدركاً لما حوله، وأن يدرك الفرق بين النقد الذي يبني والنقد الذي يهدم باسم الوعي.
قد تكون وسائل التواصل الاجتماعي فتحت بابًا للحوار، لكنها فتحت أيضًا نوافذ للعبث، وجعلت من كل رأي مشبوه حفلة ترند. والمشكلة أن بعضنا لا يميّز بين صديق ينصح وعدو يتربَّص. فهل يعقل أن ننجرَّ خلف من يريدون أن نصبح مثل من سبقنا في درب الخراب؟ هل ننسى أن الأمن إذا فُقد، فكل شيء بعده يصبح تفصيلاَ لا قيمة له؟
خليجنا ليس فقط رقعة جغرافية، بل بيت مشترك، ومصير واحد، وحصن يجب أن نكون جميعاً من حراسه. لا نريد التطبيل الأجوف، بل الوعي الصادق. لا نطلب السكوت عن الخطأ، بل نرفض تسلّل الحاقدين من بوابة النقد الزائف. المطلوب واضح: أن نحمي هذه النعمة، بأن نكون على قدر المسؤولية، وأن نُفشِل كل محاولة اختراق تبدأ من داخلنا.
نحن لسنا بمنأى عن العواصف، لكن لدينا ما لا يملكه كثيرون: قيادات حكيمة، وشعوب واعية. فليكن شكرنا لله بالعمل لا بالشعارات، وبالثبات لا بالتهاون. فلنحمِ الخليج لا لأننا نعيش فيه فقط، بل لأنه يعيش فينا.
حفظ الله لنا خليجنا وقادتنا، وجمع الله قلوب أبنائه على المحبة والتعاون.