إعداد - عبدالله عبدالرحمن الخفاجي/ تصوير - عبدالمجيد الروضان:
في ظل التحولات الطموحة التي تشهدها المملكة العربية السعودية ضمن رؤية سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان 2030، تبرز الفنون اليوم كأداة رئيسة في إعادة تشكيل المشهد الحضري، وتعزيز جودة الحياة، وأنسنة المدن. ولم تعد الفنون حكرًا على القاعات المغلقة، بل امتدت لتتجذر في قلب الفضاءات العامة، فتمنحها روحًا، وتعيد تشكيل علاقتنا بها. وتُعد مدينة الرياض مثالًا حيًا لهذا التحول، حيث يشكّل «مشروع المسار الرياضي» أحد أبرز المبادرات التي تدمج الفن، والرياضة، والتصميم الحضري في نسيج المدينة..
ومن بين أبرز معالم هذا المشروع الطموح، يبرز «برج الفنون» كأيقونة فنية ومعمارية، تجمع بين الجمال البصري والرؤية الثقافية العميقة.
فهو تصميم يحكي قصة الضوء واللون حيث يقع «برج الفنون في وجهة البرومينيد عند تقاطع طريق الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز مع طريق الأمير تركي بن عبدالعزيز الأول، ويُعد معلمًا بارزًا ضمن مشروع المسار الرياضي. يتميز البرج بتصميمه الفريد، حيث تشبه كل شريحة فيه قطعة موسيقية تتفاعل مع الضوء واللون، لتخلق بانوراما حسية متغيرة على مدار اليوم.
يقول الفنان عبدالناصر غارم، صاحب فكرة المشروع، إن التصميم يهدف إلى تقديم تجربة فريدة، حيث يصبح الضوء مهندسًا، واللون راوياً يحكي قصة التنوع والاختلاف، مما يبرز القيم الإنسانية التي تسعى رؤية المملكة إلى ترسيخها.
وفي هذا المشروع نجد أن الهندسة تتناغم مع الطبيعة حيث يبلغ ارتفاع البرج 83.5 مترًا، ويحتوي على 691 لوحة ملوّنة تشكّل واجهته النابضة بالحياة. وقد تم تصميمه ليكون متناغمًا مع البيئة المحيطة؛ إذ كانت الرياح شريكًا أساسيًا في تشكيله. يروي غارم أن تصميم البرج لم يكن قرارًا هندسيًا فحسب، بل كان حوارًا مع الطبيعة، مع الهواء، مع الحياة، ومع حدود الإنسان.
استُلهِمَ البرج من رموز مألوفة في الثقافة المحلية، كالمثلث والزخارف المستمدة من البيوت القديمة، ليعكس إحساسًا بالانتماء لدى الزائر، ويجعله يشعر بأن البرج يمثل جزءًا من ذاكرته الجمعية.
وهذه التحفة الفنية تدعو المتلقي إلى تأمل الإبداع الفني والتفاعل المجتمعي لأن برج الفنون ليس مشروعًا بصريًا فقط، بل أخلاقيًا كذلك. فهو لا يهدف إلى الإبهار فحسب، بل يدعو الزائر إلى التوقف، التأمل، والتفاعل. يمثل البرج مساحة تحتضن الفعاليات المجتمعية، وتوفّر بيئة خصبة للتقارب الإنساني والحوار.
تحوّل رمزي واستثمار في الثقافة
البرج هو إعادة توظيف لأحد أبراج الكهرباء الضخمة، تم تحويله إلى منارة فنية بالتعاون بين الفنان عبدالناصر غارم وائتلاف التصميم الذي يضم Coen+Partners، وTYPSA، وEldorado Architects. يمثل هذا التحول نموذجًا للاستثمار في البنية التحتية الثقافية، حيث باتت الفنون تُعدّ ركيزة أساسية في تنمية المجتمعات الحديثة.
يعلق القيّم الفني ناتو طومسون
«من خلال إعادة توظيف رمز من رموز الطاقة وتحويله إلى منارة للتعبير الفني، يُبرز غارم الدور المتغير للثقافة في التنمية. هذا العمل شهادة حيّة على التزام المملكة بدعم المشهد الثقافي».
برج الفنون... روح رؤية 2030
يمثل البرج انعكاسًا حيًا لروح رؤية المملكة 2030، فهو يرفع الأبصار إلى الأعلى، ويحفز الخيال، ويدعو إلى استكشاف المجهول. هو ليس مجرد هيكل معماري، بل أيقونة تعكس هوية المدينة، وطموحها نحو مستقبل أكثر إبداعًا وإنسانية. في ظل الدعم غير المحدود من القيادة الرشيدة في المملكة العربية السعودية، تواصل الفنون لعب دور محوري في تشكيل الهوية الثقافية وتعزيز الحضور الحضاري للمملكة على الساحة العالمية. فقد أصبحت اليوم أحد أهم الأركان في التنمية الثقافية والسياحية، لما تحمله من قدرة فريدة على تجاوز الحواجز واللغات، بوصفها لغة إنسانية عالمية تنقل مشاعر الشعوب وتروي قصص المجتمعات. ومن خلال هذا الزخم الفني المتنامي، تعكس المملكة صورة مجتمع نابض بالحياة، متجذر في أصالته، ومنفتح على المستقبل بإبداعه ورقيه.
** **
تويتر: AL_KHAFAJII