وفاء سعيد الأحمري
هل يمكن أن يكون الوداع أنيقًا وحزينًا في آنٍ واحد؟
نعم، بالطبع. هذا هو تمامًا وصف مشاعرنا مساء الثلاثاء، الموافق 17 يونيو الماضي. دعوني أشرح لكم، أعزائي القراء، كيف يمكن للحزن والوداع والأناقة أن تجتمع في مشهد مهيب ومؤثِّر.
كان ذلك في حفل وداع وتكريم معالي الأستاذة الدكتورة العيسى، على شرف حضور حرم أمير منطقة الرياض، صاحبة السمو الأميرة نورة بنت محمد آل سعود، والتي أنابت عنها صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز.
بدأ الحفل بكلمة ترحيبية مؤثِّرة ألقتها معالي مديرة الجامعة المكلّفة ووكلية الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي، الدكتورة فوزية العمرو، تلاها عرض مرئي يستعرض إنجازات أ.د. العيسى منذ توليها رئاسة الجامعة من عام 2019 حتى عام 2025. إنجازات مشرِّفة ومبهرة، نقلت خلالها الجامعة إلى مستوى عالمي ومحلي يليق بمكانتها ومن أبرز الإنجازات: مثلاً حصول الجامعة على الاعتماد الأكاديمي المؤسسي الكامل، دخول عدد من برامجها في التصنيفات العالمية المتقدمة مثل QS وTimes حصول الجامعة على المرتبة الرابعة محليًا في تصنيف Shanghai Ranking 2024 على مستوى الجامعات السعودية، إطلاق مبادرات نوعية لتعزيز البحث العلمي وتمكين الباحثات، إنشاء مراكز بحثية متخصصة وشراكات إستراتيجية مع جامعات دولية، دعم التحول الرقمي في مختلف الخدمات الأكاديمية والإدارية، تمكين المرأة أكاديميًا وإداريًا وتعزيز حضورها في مواقع القيادة، تطوير البيئة الجامعية وتعزيز ثقافة التميز والإبداع.
بعد ذلك، ألقت صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة كلمة أثلجت صدورنا، عبَّرت فيها عن مشاعرنا وتقديرنا، وقدّمت هدية تذكارية معنوية عبارة عن كتاب يوثق إنجازات أ.د. العيسى خلال فترة قيادتها للجامعة.
الوداع الأنيق الحزين اختُتم بكلمة لمعالي نائب وزير التعليم، أ.د. العيسى، بكلمات أظهرت عمق المشاعر، وعبّرت عن الحزن و ذكرها لملاحظة ابنتها مي ذلك الحزن في ملامح والدتها الفاضلة. انتقالها للوزارة هو في الوقت ذاته نجاح نفتخر به، ونجاح يحتذى به لكل سيدة سعودية طموحة. ولكن كان وداعًا حزينًا لأنه يشبه الفراق في شعورها وشعورنا أيضاً، لطالما ارتبط نجاحنا باسمها، ولكن ما يواسينا هو أننا لا نزال تحت مظلتها، حتى في منصبها الجديد، فهي باقية كداعم ومرشد.
وكان وداعها أنيقًا لأنها علمتنا جميعًا ما هو المستوى المطلوب، وما هو المعيار الأعلى، حتى في وداعها، علمتنا كيف يكون الوداع راقياً. شكرت كل فرد في الجامعة بلا استثناء، من رجل الأمن عند البوابة التي تدخل منها يومياً لمكتبها، وحتى أعلى المناصب مثل المكلّفة حالياً برئاسة الجامعة واستخدمت في ذلك وصفًا متواضعًا عندما قالت: «أختي د. العمرو».
في مدخل الحفل، وُضع كتاب تذكاري لنسجل فيه مشاعرنا، وكلمات لمعاليها. أمسكت القلم، فإذا به يرتجف في يدي، وكأنها المرة الأولى التي أكتب فيها، ودمعت عيني دمعة صادقة من القلب، وكأنني لم أذرف دمعة قبل ذلك. وجاء في بالي جملة يا كل الصفات الكاملة في شخص واحد. تأثري لم يأتِ من فراغ، بل لأنني سأحدثكم عن جانب مختلف من معاليها، قد لا يعرفه الجميع.
كنت يومًا طالبة عندها، ورأيت منها جانب المعلم الصادق، الملتزم بالدقيقة والثانية في حضور المحاضرة. كانت أول من أدخل مفهوم البحث العلمي بأصوله الصحيحة في تعليمنا، ورفعت مستوى الواجبات المطلوبة منا. كان تعليمها مختلفًا، متكاملاً.
ثم رأيت فيها جانب الأم العاملة، وقد أدركت ذلك لاحقًا، عندما أصبحت أمًا وموظفة. حضرت أحد المؤتمرات وطفلها الرضيع معها، بصحبة المربية. لم تمنعها أمومتها من شغفها بالعلم، فكانت تشرف على طفلها القريب منها، تطل عليه بين الوقت والآخر. تعلمت منها حينها أن الأمومة والعمل لا يتعارضان، بل يكملان بعض.
وأخيرًا، رأيتها مديرة للجامعة التي أعمل فيها، ورأيت فيها القائد القدوة، كيف يجب أن يكون. كانت مربية فاضلة، معلمة قديرة، وقائدة غير اعتيادية. لذا، نعم، هي كل الصفات الكاملة في شخص واحد ولا أبالغ في ذلك.
ختامًا، نحن فخورون بنجاحك وتألقك، معالي أ.د العيسى. ونتمنى لك التوفيق دائمًا.
لقد كنتِ -وستبقين- «كل الصفات الكاملة في واحد».
وأتمنى، عزيزي القارئ، أن تكون قد فهمت الآن ما أعنيه بالوداع الحزين الأنيق.