خالد محمد الدوس
بمشاعر مملوءة بالحزن والأسى تلقيت قبل أيام قلائل خبر وفاة رائد التوثيق الرياضي د. أمين ساعاتي عن عمر يناهز الثمانين عاما تغمده الله بواسع رحمته.
عرفت فقيد رياضة الوطن (أبو تميم) قبل ما ينيف عن 15 سنة وتحديدا أثناء تشرفي بالعمل مسؤولا عن صفحة «من تاريخنا الرياضي» بصحفية الجزيرة الغراء فكان الراحل يشكل رقما وثائقيا صعبا في معادلة الضبط التاريخي في قالبه الرياضي.. ومن أكبر المصادر الأولية في تزويدي بالمعلومات التاريخية، والأحداث الرياضية، والصور النادرة للرموز الأوائل الذين نهضت على أكتافهم رياضة الوطن. وعلى رأسهم الأب الروحي للرياضة السعودية الأمير الراحل عبد الله الفيصل -رحمه الله- الذي ارتبطت علاقتُه المتينة معه أكثر من أربعة عقود زمنية.. ومع غيره من رواد الحركة الرياضية بالمملكة منذ أن كان الراحل لاعبا في صفوف عميد الأندية فريق الاتحاد العريق في السبعينات الهجرية من القرن الفائت وعقب اعتزاله الكرة مبكرا لم يتخل من عشقه الأزلي بالرياضة حيث اتجهت اهتماماته للسلك التحكيمي وحمل صافرة القانون في لعبة كرة القدم وكان من الحكام الأوائل الذين التحقوا بدورة تدريبية في مصر بدعم مباشر من رائد الرياضة الأمير عبدالله الفيصل، ثم انتقل للعمل الإداري وعمل في النشاط الثقافي والاجتماعي بنادي الهلال قبل نصف قرن من الزمن بطلب من مؤسس النادي الراحل الشيخ عبدالرحمن بن سعيد -رحمه الله- الذي كان يقدر (أبو تميم) كثيرا لإخلاصه وأمانته واحترامه لعمله. ثم العمل الإعلامي الصحفي وتقلده العديد من المناصب في بلاط صاحب الجلالة قبل أن يحترف مهنة التوثيق الرياضي بعد أن تسلح بالعلم والفكر والمهنية والمصداقية، فقدم لرياضة الوطن أكبر موسوعة رياضية عملاقة عن تاريخ الحركة الرياضية بالمملكة وهي مكونة من عدة أجزاء تتكلم بلغة الأرقام والإحصائيات عن تأسيس الأندية ومنجزاتها ونجومها ومؤسسيها، كما تضمنت معلومات وثائقية مدعمة بالحقائق الدامغة والصور النادرة عن الحكام واللاعبين والاداريين والإعلاميين، وبالتالي أصبحت هذه الموسوعة -التي شرفني بإهدائي إياها جبل التوثيق د. أمين ساعاتي -رحمه الله تعالى- قبل سنوات مضت- تشكل مرجعية ثرية وغنية للباحثين والمهتمين في تاريخنا الرياضي. لذلك كان يستحق وبدون رتوش لقب مؤسس علم التاريخ الرياضي السعودي. كما كان فقيدنا الغالي أبو تميم كاتبا شموليا في مضمار الإعلام واتجاهاته الاقتصادية والسياسية والرياضية والثقافية والاجتماعية كان يتكئ على رصيد معرفي ومخزون ثقافي أصيل فضلا عن مؤلفاته الغزيرة في مجالات التاريخ والمجتمع والثقفة التي تجاوزت (30 مؤلفا) رصينا في المكتبة الوطنية، كما أنشأ قبل عامين متحفا رياضيا من حسابه الخاص ليحكي تاريخ رياضة الوطن بالصوت والصور والمقتنيات التراثية الرياضية النادرة.
رحل د. أمين ساعاتي (جسدا) لكن إرثه الضخم في التوثيق الرياضي والتاريخ الاجتماعي سيظل خالدا يشهد على عطاء رجل كرّس حياته لخدمة وطنه وأمته.. وكان بحق (قاضي التاريخ الرياضي) كما لقبته ذات يوم بهذا اللقب.. وموسوعة متحركة حفظت للرياضة السعودية ذاكرتها وهويتها.
رحم الله الأمين (أبو تميم) وأسكنه فسيح جناته.. وعزاؤنا الخالص لأسرة وأشقاء فقيدنا الغالي. تغمده الله بواسع رحمته.. و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.