د. علي القحيص
منذ عام 1979م، وتغير النظام السياسي في إيران، وتبديل منهجية النظام في طهران، من نظام علماني مدني إلى نظام إسلاموي، بعد سقوط الشاه الذي كان مقربا من أمريكا والغرب، ومجيء نظام الخميني الآتي من فرنسا بعمامة سوداء وعباءة إسلامية.
كانت العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، بين مد وجزر، وازمة تتبعها أزمات، حيث تصف طهران أمريكا بـ»الشيطان الأكبر»، والمقابل أمريكا تسمي إيران بـ»محور الشر»!
وكل تلك الفترة كان المراقبون يشككون بتلك العلاقة على مدار عقودٍ خمسة، ويظن الكثيرون منهم، أن العلاقة ما بين أمريكا وإيران، هي حرب إعلامية ليس إلا، وتحت الطاولة ربما هناك اتفاقات استراتيجية طويلة الأمد، من أجل تحقيق المصالح المشتركة بينهما.
وبسط النفوذ في المنطقة الحيوية الغنية بالموارد الاقتصادية، وما يدلل على ذلك مساعدة إيران لأمريكا باحتلال افغانستان والعراق، وهذا معلن ومكشوف وصرح بهذا المسؤولين الإيرانيين في أكثر من مناسبة، وسبق أن التقينا بـ محمد علي أبطحي «مستشار الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي «عام 2005م والذي أكد أن أمريكا جاحدة بما قدمت لهم طهران من مساعدة ساهمت في احتلال أفغانستان وكذلك العراق، وها هم ينقلبون علينا.
وبعد مرور عدة عقود من المناوشات عبر الإعلام بين إيران من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى، لم يصدق المراقبون ما يجري هذه الأيام على مدار أسبوع من حرب ضروس ومعلنة بين «إسرائيل وطهران».
والآن بعد أن وقعت الحرب واشتدت المنازلة الكبرى بين إيران وإسرائيل، شاهدنا كيف أن صواريخ طهران تصل إلى عمق الأراضي الإسرائيلية وتضرب أهدافها بتفوق وبدقة، رغم وجود القبة الحديدية في تل أبيب وقدرات إسرائيل الدفاعية وتصديها للصواريخ من خارج الحدود وأجوائها.
ولكن قد نالت إيران من مرافق حيوية في أرجاء سلطة الاحتلال ومرغت هيبة الكيان في الوحل بواسطة صواريخ أرض أرض، وأرض جو التي اطلقتها حكومة طهران نحو حيفا وتل أبيب، التي قالت وفعلت ونفذت تهديدها، بل الملفت للانتباه أن إيران تقول سوف أضرب وأضرب، وتحدد الأهداف قبل ضربها وتفتك بها.
ولاحظنا أيضا أن هذه الضربات العسكرية جعلت من السكان هناك يهرولون مذعورين يختبئون في الملاجئ والأنفاق ومواقف السيارات تحت الأرض.
بينما الإيرانيون لم يعلنوا ذلك، أو لم نر هذا الذعر والخوف والهلع من هول القصف المركز والقوي بأكثر الأسلحة الأمريكية فتكا.
وهذا يعني أن الإيرانيين أكثر شجاعة ومعنوياتهم عالية وقادرون على تحمل هذه الأزمات والحروب والكوارث والقصف الجوي، وربما إن هذه الحرب وحدت صفوفهم وزادت من لحمتهم الداخلية وتعزيز وحدتهم الوطنية، والالتفاف خلف قيادتهم في مواجهة العدوان الخارجي، مع حكومتهم التي غلب على خطابها الثبات والتوازن والعقلانية دون أي تشنج أو ارتباك واضطراب، حتى نجحوا في امتصاص الصدمة، على عكس ما اتضح من تصريحات جنرالات إسرائيل من التشويش والارتباك والتخبط و كثير من الكذب وعدم المصداقية والتراجع!
ويحسب للإيرانيين هذا الثبات والصمود والشجاعة، ليبينوا العناد والصبر والتحلي بسياسة النفس الطويل، وقد حاربوا العراق أيام قوته وجبروته لثمانية أعوام متواصلة، رغم ضعف دولتهم في تلك المرحلة.
ولا نستبعد أنه إذا واصلت إيران إطلاق صواريخها بعيدة المدى على الكيان المرتبك، أن تشارك دول كبرى مثل أمريكا وبريطانيا ضد طهران، وإيران حذرت من ذلك مرارا، حيث تخشى ترسانة السلاح النووي، سواء بتفجيره من قبل القوات المعادية لها في أرضها ومواقعها، أو استخدام خصومها لسلاح الدمار الشامل وقصفها!
أما إسرائيل المرتبكة والتي لم تتوقع قدرة إيران الصاروخية الموجعة، فهي تخشى الزوال من الوجود، لأنها تشعر بوجودها الطارئ على ناصية التاريخ والجغرافيا، فهم مغتصبون لأرض عربية تحارب من فوقها، وتستبيح أجواءها بكل صلف، ولأنها تشعر بعدم ثباتها على الأرض باتزان والتشبث بها، وتخشى المجاميع البشرية من الفلسطينيين واللبنانيين والعرب والمسلمين، الذي يضمرون لها الحقد والكراهية، وبما ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني من قتل وتدمير وتنكيل وتشريد، لأنها مطالبة بثأرات ودماء غزيرة، سكبت بدون هوادة ولا رحمة، استغلالا لضعف الموقف العربي من حولها، ولكنها تشعر اليوم بأنها تقف على أرض هشة ورمال متحركة، لا تشعر بأدنى حس بالانتماء الحقيقي للمنطقة وأنها قوة احتلال غاصبة.