أ.د.عثمان بن صالح العامر
مما يلحظه المتابع والراصد لأنشطة وبرامج ومبادرات ومشاركات وزارة الثقافة السعودية حرصها الشديد على تحقيق شرط (الأصالة) في جميع منجزاتها الثقافية. وحين يطلق هذا المصطلح فهو يشير - كما هو معلوم - إلى تمسّك مجتمع ما بتراثه الفكري وعناصر ثقافته الأصيلة التي تميِّزه عن غيره من المجتمعات المناهضة له في القيم، المختلفة عنه في المبادئ والمرجعيات، والسعي للمحافظة على هذه العناصر من التشويه أو الضياع. وتُعبِّر الأصالة في المشروع الثقافي السعودي عن قيم متجذِّرة في تاريخ الوطن وهويته، مثلها في ذلك اللغة والتاريخ والتقاليد المجتمعية والفنون الشعبية. وينبثق مفهوم الأصالة الثقافية من الرغبة في الحفاظ على الهوية الثقافية الخاصة في وجه التأثيرات الخارجية أو التغييرات الحديثة، والتأكيد على أنَّ لهذه الثقافة قيمة فريدة لا يجوز إهمالها أو تركها عرضة لتيارات التغيير التي تهب علينا من كل حدب وصوب. وبذلك فإن الأصالة الثقافية غالباً ما تتضمن نظرة إيجابية للماضي والتراث، ورغبة في نقلهما بأمانة ومصداقية وشفافية مطلقة إلى الأجيال كرصيد معنوي وهوية مشتركة. وغالباً ما تثير مسألة الحفاظ على الأصالة الثقافية وبعث ما اندثر منه ونسي مع مرور الزمن وتعاقب السنوات جدلاً واسعاً حول مدى إمكانية التوفيق بين المحافظة على التراث وبين التكيُّف مع معطيات العصر الحديث، وهو ما يتطلب موازنة دقيقة لتحقيق الاستمرارية الثقافية دون الانغلاق، وهذا هو التحدي الحقيقي الذي تواجهه ثقافتنا السعودية اليوم، والتي استطاعت بفضل الله أولاً ثم في ظل توجيهات قيادتنا الحكيمة، وعلى ضوء رؤية المملكة 2030 ، وبتخطيط ومتابعة ودعم وتحفيز من قبل معالي وزير الثقافة أن تحقق درجة عالية في التوازن بين الأصالة والمعاصرة التي تتطلب درجة عالية من الوعي الثقافي الذي يتوافق وطبيعة المرحلة التي يمر بها العالم أجمع، فنحن نعيش فيما يُسمى عصر (العولمة الثقافية) والتي هي بإيجاز محاولة جادة من قبل المشروع الغربي فرض ثقافة عالمية واحدة لغة وملبساً ومأكلاً وهوايات واهتمامات وقراءات ومتابعات إعلامية وفنون موسيقية وأفلام سينمائية و... ومن ثم إقصاء متعمد للثقافة الأم لدى الجيل ومسح للخصوصية والذاتية التي هي ركيزة مهمة ومكون أساس في البناء الثقافة الوطني، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء، والسلام.