رسيني الرسيني
مع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، دخل العالم مرحلة جديدة من عدم الاستقرار الجيوسياسي، انعكست آثاره سريعًا على القطاعات الاقتصادية، ومن أبرزها قطاع التأمين. إذ إن الحروب والنزاعات المسلحة ترفع مستوى المخاطر التي تتحملها شركات التأمين، مما يؤدي بدوره إلى زيادة كبيرة في الأقساط التي تُفرض لتغطية هذه الأخطار.
ففي الأوقات الطبيعية، السفينة التجارية التي يبلغ قيمتها 100 مليون دولار تدفع حوالي 125 ألف دولار للتأمين، إلا أن توسع العمليات العسكرية في المياه الإقليمية القريبة والممرات البحرية لنقل النفط والبضائع، أدى إلى رفع قسط التأمين إلى 200 ألف دولار، وذلك نقلًا عن قناة العربية.
كما أن بعض الشركات بدأت في تقليص مدة صلاحية عروض أسعار التأمين البحري إلى 24 ساعة فقط، بينما كانت في السابق تمتد إلى 48 ساعة أو أكثر. هذا التغيير يعكس حجم القلق والتقلب السريع في تقييم الأخطار المرتبطة بالممرات المائية، نتيجة تغير الأوضاع الميدانية والتهديدات المتزايدة على نحو شبه يومي. وهو أمر متكرر تاريخيًا، حيث شهد العالم أحداثًا مشابهة كان لها الأثر ذاته على صناعة التأمين البحري.
على سبيل المثال: خلال الحرب الإيرانية - العراقية في ثمانينيات القرن الماضي. وكذلك، خلال أزمة مضيق باب المندب عام 2018م، ارتفعت أقساط التأمين بشكل مفاجئ نتيجة تصاعد المخاطر في تلك المنطقة.
ما يُثير القلق حاليًا هو أن ارتفاع تكاليف التأمين لا ينعكس فقط على شركات الشحن أو مالكي السفن، بل ينتقل في نهاية المطاف إلى المستهلكين حول العالم. فمعظم السلع، من المواد الغذائية إلى الإلكترونيات، تُنقل عبر البحار. وبالتالي، فإن أي زيادة في التكاليف التشغيلية - مثل أقساط التأمين - تؤدي إلى ارتفاع في أسعار هذه المنتجات عند وصولها إلى الأسواق. كما أن زيادة تكلفة التأمين قد تؤدي إلى تحوّل بعض الشركات نحو طرق نقل بديلة، مثل النقل الجوي، الذي يُعد أغلى بكثير، أو إعادة رسم مسارات السفن لتفادي مناطق الخطر، مما يزيد مدة الشحن.
الجدير بالذكر أن حجم قطاع التأمين البحري في المملكة تجاوز قيمة المليار ريال في عام 2024م، يتم الاحتفاظ بحوالي 25 % داخل السوق المحلي، ويعاد تأمين النسبة المتبقية مع شركات دولية. الأمر الذي يعكس أهمية إعادة التأمين كأداة لتفتيت المخاطر الجغرافية والمالية، مما يعزز ضمان قدرة السوق المحلي على الاستجابة في حال حدوث مطالبات كبرى - لا قدّر الله - نتيجة حوادث بحرية أو كوارث ذات طابع استثنائي. فبحسب الأرقام المعلنة تجاوزت قيمة المطالبات المدفوعة في قطاع التأمين البحري بالمملكة 270 مليون ريال خلال عام 2024م، وهو عام أكثر استقرارا نسبيًا من هذا العام في المنطقة.
حسنًا، ثم ماذا؟
الحرب تتجاوز حدود السياسة والعسكر، فقد تمتد لتُثقل كاهل الاقتصاد العالمي. وفي مواجهة هذه المخاطر، يبرز التأمين كأداة فعّالة لإدارتها، حتى وإن ارتفعت تكلفته.