د. فاطمة إبراهيم المنوفي
بات العدو الأول لإيران من داخل حدودها وخيوطه ممتدة داخل الدوائر الاستخباراتية الإيرانية. أحداث متتالية منذ سنوات طوال دون أخذ الحيطة اللازمة. إيران، رغم أذرعتها الممتدة في المنطقة، إلا أنها دولة مخترقة من الداخل. ولا شك أن اغتيال علي شادماني رئيس الأركان الإيراني الجديد من قبل العدو إسرائيل بعد تعيينه بساعات، يعد اختراقاً أمنياً جديداً يؤكد أن إيران لم تعالج ثغراتها الأمنية والاستخباراتية ويؤكد استمرار العناصر الداخلية الموالية للموساد في أنشطتها واستمرار تصفية الرموز والقيادات الأمر الذي يربكها ويجعلها تتخبط.
فمنذ بدء جريمة العدوان الإسرائيلي على طهران، تقصف إسرائيل بكل سهولة منشآت نووية في العمق الإيراني في موقع نطنز، أحد أهم مراكز تخصيب اليورانيوم في البلاد، وكذلك استطاعت إسرائيل بعدوانها تصفية عدد من العلماء البارزين والمسؤولين العسكريين بشكل استخباراتي 100 % وليس بسبب التفوق التكنولوجي، ويتجلّى ذلك في قصف أدوار معينة في عمارات سكنية كان يقطنها المسؤولون الإيرانيون الذين اغتيلوا، وهو ما يبرهن على التغلغل الإسرائيلي في العمق الإيراني.
لم تتورع إسرائيل واعترفت بالاختراق الاستخباراتي لإيران، فقد قال مسؤولون في الاستخبارات والجيش الإسرائيلي إن الهجوم على إيران كان «تتويجًا لسنوات من العمل»، من وراء الكواليس. وأشاد شلومي بيندر رئيس مديرية الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي، خلال لقائه بجنود من قسم الاستخبارات، بدورهم في جمع المعلومات الاستخبارية، مؤكدًا أن ما قدموه من معلومات ساعد في اختراق إيران، وسيكون له أثر مشابه في مناطق أخرى خلال الفترة المقبلة. كما أوضحت وكالة (فارس) الإيرانية أن إسرائيل تستخدم تقنيات متطورة لتتبع الهواتف المحمولة حتى عند إيقاف تشغيلها.
وذكرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل في تقرير لها نشر يوم 17 يونيو 2025 وحمل عنوان، «كيف استخدمت إسرائيل الجواسيس والطائرات المهربة بدون طيار والذكاء الاصطناعي لصعق إيران وإعاقتها». أن الهجمات الإسرائيلية جرت بتوجيه من الجواسيس والذكاء الاصطناعي، فأطلق الجيش الإسرائيلي وابلاً ليلياً من الطائرات الحربية والطائرات المسيرة المهربة إلى إيران لتعطيل العديد من دفاعاتها الجوية ومنظوماتها الصاروخية بسرعة. ومع ازدياد حرية التحليق فوق إيران، قصفت إسرائيل مواقع نووية رئيسة وقتلت كبار الجنرالات والعلماء. وحتى استعداد إيران للرد بعد ساعات، كانت قدرتها قد أضعفتها بالفعل الضربات الإسرائيلية السابقة تضاءلت بشكل كبير.
ووفقاً للصحيفة، «صرح ضابط مخابرات مشارك في اختيار العناصر الجاسوسية والمواقع المستهدفة، أن إسرائيل استخدمت أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل المعلومات التي جُمعت من مصادر مختلفة. وأضاف أن الذكاء الاصطناعي استُخدم لمساعدة الإسرائيليين على جمع وتفنيد كميات هائلة من البيانات التي حصلوا عليها بسرعة. وبدأ هذا العمل في أكتوبر -تشرين الأول الماضي، وفقًا للضابط، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول له بالتحدث إلى وسائل الإعلام؛ وكان ذلك قبل شهر واحد من إعلان نتنياهو عن أمره بخطط الهجوم».
«وأكد تحقيق أجرته وكالة أسوشيتد برس في وقت سابق من هذا العام أن الجيش الإسرائيلي يستخدم نماذج ذكاء اصطناعي أمريكية الصنع في الحرب لجمع وتفنيد المعلومات الاستخباراتية واعتراض الاتصالات لمعرفة تحركات الأعداء، سواء مع حماس في غزة أو مع حزب الله في لبنان». كما ذكرت الصحيفة أن الضابط المكلَّف «قام بإعداد قائمة بأسماء الجنرالات الإيرانيين، تتضمن تفاصيل عن أماكن عملهم وأوقات فراغهم. ومن بين كبار المسؤولين العسكريين الذين قُتلوا منذ هجوم الجمعة، الجنرال حسين سلامي، قائد الحرس الثوري الإيراني، الجنرال محمد باقري، رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية.وأنه بالإضافة إلى الذكاء الاصطناعي، اعتمد الموساد على الجواسيس لتحديد هوية كبار العلماء النوويين وأعضاء الحرس الثوري الإيراني، وفقًا لمسؤول أمني. قُتل ما لا يقل عن ثمانية أعضاء من الحرس الثوري، بمن فيهم رئيس برنامج الصواريخ، في غارة إسرائيلية واحدة على مخبأ تحت الأرض».
وجاء في التقرير ذاته أنه «في عام 2018، سرقت إسرائيل أرشيفًا للأبحاث النووية الإيرانية تضمن عشرات الآلاف من الصفحات من السجلات، وفقًا لما ذكره يوسي كوبرفاسر، وهو جنرال متقاعد وباحث سابق في الاستخبارات العسكرية يدير حاليًا معهد القدس الإستراتيجية والأمن.»
لا جدال أن التغلغل الإسرائيلي داخل إيران له أسبابه الجذرية وجاء نتيجة هشاشة النظام الأمني والاستخباراتي، بالإضافة إلى عوامل عديدة ومشاكل داخلية إيرانية وانقسامات، وهو ما أدى إلى الفشل في التصدي لهذه المخططات والتنبؤ بالهجمات.
أيضاً ربما كان تردد إيران في المواجهة وخوض حرب مع إسرائيل واختيارها توجيه ضربات محدودة في أكتوبر 2024 بإطلاق 180 صاروخاً باليستياً فقط وإحداث أضرار محدودة في القواعد العسكرية الإسرائيلية هو ما دفع إسرائيل إلى القيام بالهجمات الحالية.
عدم اتخاذ إيران التدابير الاحترازية للقضاء على عناصر الموساد أو عملاء الدول الأخرى.
في 2020 تمت عملية اغتيال قاسم سليماني، أبرز جنرالات إيران وقائد «فيلق القدس»، بعد هذه العملية لم تتخذ إيران التدابير اللازمة للكشف عن العناصر الداخلية أو عناصر الموساد المتغلغلة داخل المنظومة الإيرانية.
ثم كان اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية العام الماضي ولم تتمكّن إيران من حمايته على أراضيها، في واقعة أثبتت للعيان أن عناصر داخلية كانت وراء تنفيذ هذه العملية الإجرامية في العمق الإيراني، والأغرب أن إيران لم تستطع حتى كشف المتعاونين الذين سهّلوا عملية الاغتيال، والأشد غرابة أنها لم تظهر أي نتائج عن التحقيقات. كل ذلك يؤكد أن الأراضي الإيرانية لم تعد آمنة لإيران نفسها.
ومن المنطقي أن يكون العلماء البارزون والقادة العسكريون الكبار في مواقع آمنة، وألا يستخدموا أي وسائل اتصال يمكن تتبعها، لا سيما أمام عدو تقني واستخباراتي متطور كإسرائيل مدعوم بالولايات المتحدة الأمريكية. كل هذه الاستهدافات المتلاحقة تظهر هشاشة النظام الأمني والاستخباراتي لطهران.
تسعى إسرائيل إلى إيصال رسائل لطهران ولدول أخرى في المنطقة وللعالم، عبر هذه الضربات إلى إثبات عمق اختراقها الاستخباراتي والأمني، كما تسعى إلى توجيه ضربة نفسية للقيادات العليا الإيرانية، مفادها أنه لا أحد بمنأى عن الاستهداف مهما كان موقعه.
وعليها الآن تطهير مؤسساتها، والتحالف مع دول عربية وإسلامية لإيقاف مخططات الأعداء التي لا تستهدف إيران وحدها.