خالد بن عبدالرحمن الذييب
أسوأ ما في اللحظات السعيدة أنها تنتهي، وأجمل ما في اللحظات التعيسة أنها لا تدوم!... يُروى أن ملكاً طلب من حكيم كتابة جملة إذا رأها وهو سعيد يحزن، وإذا رأها وهو حزين يزول همه، فكتب له جملة واحدة: «هذا الوقت سيمضي»، وبغض النظر عن غرابة الطلب إلا أن عبارة الحكيم معبّرة، وجمالها في التفكير بها وقت الحزن، ووقت المصائب، وهذا يدل على أن هاجس اللحظة يؤرق الملك.
كل لحظة يسبقها لحظة أوصلتك لهذه اللحظة التي أنت فيها، وستوصلك إلى لحظة مستقبلية لا تعلم ما هي، ولا إلى أي لحظة ستقودك إليها.
هاجس اللحظة صنع لحظات تاريخية في مسار الإنسانية الحضاري، فلولا لحظة وفاة صديق مارتن لوثر لما أعاد مارتن التفكير بحقيقة الحياة، وحقيقة الدين الكاثوليكي، وبالتالي أتت اللحظة التاريخية عندما وضع اعتراضاته الـ95 على باب كنيسة القلعة في مدينة فيتنبرغ الألمانية ومنها ظهر المذهب البروتستانتي.
هاجس اللحظة التاريخية، هو الذي أنتج كوميديا دانتي، فبعد وفاة محبوبته بياتريس بعمر صغير لا يتجاوز الأربعة وعشرين سنة في بعض الروايات، أصابه ذلك بالحزن ففرّغ أحزانه في هذا النص، والذي لا علاقة له كنص بالحب، والعشق، ولكن الضجر أحياناً بالنسبة للكاتب يجعله ينفجر في وجه الورق بنص لا علاقة له بسبب حزنه، ولكنها حالة تنفيس، فبعض الكتّاب يغضب من شيء وينفجر بقلمه على شيء آخر.
بالمناسبة لا تصدّق روايات من يقول إن سبب القصيدة الفلانية قصة حب، فليس كل من كتب قصيدة أو نصاً غرامياً معناه أنه يتكلم عن فتاة معينة، أو من كتب نصاً فلسفياً معناه أن لديه هاجساً فلسفياً، فأحياناً نكتب نصاً غرامياً ونقصد به فلسفة ما، وأحياناً نكتب نصاً فلسفياً والمقصود... فتاة!
الكتّاب لديهم روح مختلفة عن الناس، يفرّغون أحزانهم وطاقاتهم وشجاعتهم على ورق لا حول له ولا قوة مستخدمين القلم سوطاً يجلدون به الضحية - وهي في هذه الحالة الورق - بتلذذ عجيب، الكاتب سادي مع الورق، ضعيف أمام ذاته، وهذه السادية التي أتت من لحظة سابقة، ينتج عنها لحظة لاحقة تظهر لحظات أخرى تغير التاريخ الإنساني... فهي لحظة لا أكثر.
أخيراً...
هاجس اللحظة التاريخية... قد يكون قصة وقد يكون حدثاً.
ما بعد أخيراً...
هاجس اللحظة التاريخية... مجرد لحظة تسبقها لحظات تؤدي إلى لحظة... قد تغير مسار التاريخ الإنساني.