عبدالرحمن سالم عيد الحربي
في زمنٍ تطوى فيه المسافات بين الثقافات، أصبحت اللغة الإنجليزية جسراً يعبر عليه الأطفال إلى عوالم أوسع، نجد أنفسنا أمام مفارقة عجيبة. فبينما نسعى جاهدين لتمكين أبنائنا من هذه اللغة العالمية، نقدمها لهم وكأنها دواء مر المذاق ، لا كنزهة ممتعة في حديقة المعرفة.
تتعامل معظم مناهجنا مع عقل الطفل كإناء فارغ، يجب حشوه بالمفردات والقواعد النحوية. لكن الحقيقة أن الطفل الصغير يشبه بذرة تحتاج إلى تربة خصبة وبيئة مشجعة لتنمو.
فكيف نطلب من طفل في الثامنة من عمره أن يفهم تصريف الأفعال في الزمن الماضي البسيط، وهو لم يدرس بعد قواعد لغته الأم؟ وكيف نتوقع منه استيعاب تراكيب جمل معقدة، بينما لا يزال يتعلم بناء جملة بسيطة بلغته الأصلية؟
اللغة ليست مجرد كلمات وحروف، بل هي نافذة تطل على عالم آخر. عندما نعلم الطفل الإنجليزية، نقدم له ليس فقط وسيلة تواصل جديدة، بل نعرفه على طريقة مختلفة لرؤية العالم. لكننا للأسف نغفل هذه الحقيقة، فنحشو كتبنا بنصوص ميتة، ونحول اللغة إلى مجموعة من القواعد الجافة.
وكم مرة نجد في كتبنا كلمة إنجليزية مكتوبة وهي تحمل معاني متعددة.. لكننا نقدمها للطفل وكأنها تحمل معنى واحداً ثابتاً. لماذا لا نلون هذه الكلمات بلون خاص؟ لماذا لا نترك في هوامش الصفحات مساحة لمعانيها المختلفة، مع أمثلة حية من الحياة اليومية؟ أيضا.. لا نشير بطريقة نطقها الشكلي.
فعندما يجبر الأطفال الغير الناطقين بإنجليزية على التعلم بنفس طرق وأساليب الناطقين الأصليين فإننا نرتكب خطأ فادحا صعب الاصلاح.
فهذه الممارسة أشبه بإلقاء طفل لا يعرف السباحة في مياه عميقة ثم نطلب من أن يسبح مثل الأخرين المحترفين!
لم يعد أطفالنا يعيشون في العالم الذي عشناه نحن. فبين جدران المنازل وشاشات الأجهزة، تقلصت مساحات اللعب والحركة، وتضخمت مصادر التشتت. أطفال اليوم يواجهون زخماً معلوماتياً لم يسبق له مثيل، ومع ذلك نصر على تعليمهم بنفس الطرق القديمة. أليس من الأجدى أن نستثمر هذا الانفتاح التكنولوجي، بدلاً من أن ننظر إليه كمصدر إزعاج؟
لنبدأ مع الصغار من الأساسيات، ببطء وثبات. لنمنحهم الوقت الكافي ليتعرفوا على الحروف وأصواتها ، ثم الكلمات البسيطة، ثم الجمل القصيرة. فلنصنع لهم سلماً يصعدونه درجة درجة، لا أن نطلب منهم القفز إلى أعلى الجبل دفعة واحدة. ولنربط دائماً بين ما يتعلمونه وبين حياتهم اليومية، حتى يفهموا أن هذه اللغة ليست مجرد مادة دراسية، بل أداة حية يتواصلون بها مع العالم.
الإنجليزية ليست مجموعة من القواعد الجامدة، بل هي كائن حي ينمو ويتغير. عندما نعلمها للأطفال، علينا أن ننقل لهم هذه الروح الحية. أن نوضح لهم كيف تتغير معاني الكلمات حسب السياق، كيف تختلف اللهجات، كيف تتطور اللغة مع الزمن. بهذه الطريقة، لن يتعلم الأطفال لغة فقط، بل سيتعلمون حب التعلم نفسه.
في النهاية، تعلم اللغة هو قبل كل شيء مسألة علاقة. علاقة بين الطفل واللغة الجديدة، علاقة بين المعلمين والتلاميذ، علاقة بين الثقافات. عندما ننجح في بناء هذه العلاقة على أسس سليمة، عندما نجعل من التعلم رحلة ممتعة مليئة بالاكتشافات، عندها فقط سنرى أطفالنا يتقنون الإنجليزية لا لأنها مادة إجبارية، بل لأنها أصبحت جزءاً من عالمهم، وأداة يفتحون بها نوافذ جديدة على العالم، على ان يتفطن مؤلفو مناهج اللغة بين الحين والأخرى أنهم يتعاملون مع أطفالا ليس كمستواهم العمري والادراكي.. وأن يشاركهم في التأليف مختصون في علم التربية وعلم نفس النمو وعلم التربية الخاصة.
وأن تكون اللغة الإنجليزية ضمن الذكريات الجميلة هي خير ألف مرة من الحصول على درجة كاملة في الامتحان.