د. إبراهيم بن جلال فضلون
يواجه الأخضر الأمريكي تحديات غير مسبوقة نتيجة السياسات الاقتصادية المثيرة للجدل، لـ(حنفي) الذي دفع المستثمرين إلى البحث عن بدائل أكثر استقرارًا مثل الذهب والعملات الرقمية. وأيقظ مارد التكتلات الاقتصادية مثل (البريكس) في تعزيز مكانتها كبديل محتمل للنظام المالي التقليدي القائم على الدولار، واتجاه الاتحاد الأوروبي في استرجاع القرار الأوربي، وتقليل الاعتماد على التبعية الأمريكية، التي وضعت مفاهيم الشراكة على المحك. وعدم الاعتماد على نظام مالي واحد.
لقد ذكرني الرئيس ترامب في قراراته المتسارعة التي نسفت خبراته العملية والاستثمارية بالفنان المصري عبد الفتاح القصري في فيلم (أبيض وأسود)، عندما قال جملته الشهيرة «كلمتي لا يمكن تنزل الأرض أبداً!»، وكان مثال للـ»فتوة الغلبان» الذي نُحبه جميعاً، رغم صياح صوته وشدته، إلا أنه أمام امرأة قوية يستجيب لتزل كلمته عدة مرات ومرات، فالثراء والسلطة ليس مجرد «حظ»، بل هو «طريقة تفكير» وإدارة مالية صحيحة.. فإذا كنت ترغب في تحقيق «الحرية المالية»، عليك أن تتعلم كيف تجعل «المال يعمل لصالحك» بدلًا من أن تعمل من أجله.. وهو ما انطبق بالفعل على خطوات ترامب وصولاً للسلطة لتنتهي برهان خاسر لسوء إدارته، التي استشرفها كتاب «الأب الغني والأب الفقير» للمؤلف روبرت كيوساكي، وهو من أشهر الكتب في مجال «التنمية المالية الشخصية»، برؤية عميقة حول كيفية التفكير المالي، ويمكن ربط أفكاره بالأحداث السياسية والاقتصادية الحالية، خاصة في ظل قرارات فرض الرسوم الجمركية وتأثيرها على الاقتصاد العالمي..
والذي سلط الضوء على الفرق بين عقلية الأغنياء والفقراء في التعامل مع المال والاستثمار. فالأب الفقير: يؤمن بأن التعليم التقليدي والوظيفة المستقرة هما مفتاح النجاح المالي. بينما الأب الغني: يرى أن الاستثمار، وبناء الأصول هما الطريق الحقيقي للثراء. وبالتالي فإن الفقراء يعتمدون على الراتب الشهري، بينما الأغنياء يجعلون المال يعمل لصالحهم من خلال الاستثمارات التي وقودها الفقراء أو دولياً العالم الثالث..
لعل وصول الدين العام الأمريكي إلى 35 تريليون دولار نهاية 2024 وقفزاته المرعبة التي توقع معها صندوق النقد الدولي أن تصل إلى 109.5% من الناتج المحلي بحلول 2029، يجعل حتمية فقدان الدولار للهيمنة المطلقة خلال أعوام قادمة غير قليلة، ما لم يرجع (حنفي -ترامب) في قراراته (المرة دي) في كبح جماح الطموح الصيني خلال 2025، فهل يا ترى سينجح في ذلك؟ وإحصائياً عدد المليارديرات في العالم: بلغ عدد المليارديرات عالميًا 2769 مليارديرًا في عام 2024، بزيادة قدرها 204 ملياردير مقارنة بالعام السابق، حيثُ ارتفع مجموع ثروات أصحاب المليارات من 13 تريليون دولار إلى 15 تريليون دولار في عام 2024، بمعدل نمو أسرع ثلاث مرات من العام السابق، لنرى الطامة الكبرى في أن أغنى 1% من سكان العالم يمتلك 45.5% من الثروة العالمية، بقيمة 463.6 تريليون دولار بحلول نهاية عام 2021.. علماً بأن 60% من أموال المليارديرات تأتي من الميراث أو السلطة الاحتكارية أو علاقات المحسوبية، مما يعزز الفجوة الاقتصادية بين الأغنياء والفقراء، وفق تقرير أوكسفام، لنلاحظ الفجوة بين الأغنياء والفقراء ففي الولايات المتحدة، يكسب أغنى 10% من السكان 156.42 دولارًا يوميًا، بينما يكسب أفقر 10% نحو 22.93 دولارًا يوميًا، وهو دخل يتجاوز ما يجنيه أغنى 10% في دول عديدة مثل مصر (10.94 دولارًا) والهند (8.76 دولارًا)، بينما ارتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع، فأكثر من مليار ونصف المليار نسمة يعيشون تحت خط الفقر، ويحققون دخلًا يوميًا يتراوح بين دولار أو دولارين كحد أقصى. لينقلب السحر على الساحر ليشهد الدولار الأمريكي انخفاضًا ملحوظًا في قيمته، وصل إلى أدنى مستوى له في 3 سنوات بعد الهجمات المتكررة من ترامب على رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، مطالبًا بخفض أسعار الفائدة على الفور فانخفض الدولار أمام الفرنك السويسري ليقترب من أدنى مستوى له في 10 سنوات، كما سجل تراجعًا أمام اليورو ليصل إلى أدنى مستوياته في 3 أعوام ونصف، وتزايدت المخاوف بشأن استقلالية الفيدرالي الأمريكي، حيث بدأت البنوك المركزية العالمية في إعادة النظر في اعتمادها على الدولار كمصدر رئيس للتمويل، مما قد يؤدي إلى تسريع عملية «نزع الدولرة» عالميًا.
لقد كان للرسوم الجمركية أثرها على الطبقات الاقتصادية، أدت إلى ارتفاع تكاليف السلع، مما أثقل كاهل الطبقات المتوسطة والفقيرة، وبالتالي خسرت الولايات المتحدة التي ارتفع أسعار السلع الغذائية فيها لدرجة خروج الأمريكان لدول الجوار لإحضار الغذاء والعودة مرة أخرى كونها أرخص من الداخل المنهمك بسبب (حنفي)، فمنع ترامب إنفيديا NVIDIA من تصدير رقائق H20، جعل الصين عبر شركتها هواوي تخرج أفضل ما في جعبتها للذكاء الاصطناعي ولتضرب أمريكا مجدداً في المجال، بينما تعاني الشركات الصغيرة والمتوسطة في ظل التوترات التجارية الحالية، وتقلبات الأسواق، مما تسبب في خسائر كبيرة للاقتصاد الأمريكي، مما زاد من استمرار التوترات بين الولايات المتحدة والدول الأخرى وفرض إعادة تشكيل النظام المالي العالمي، حيث بدأت بعض الدول في تعزيز استخدام عملاتها المحلية في التعاملات التجارية بدلاً من الدولار، فليخرج الأمريكان قبل أن يموتوا جوعاً بطريقة شعبوية ترامبية، كما يموت أبرياء غزة بطريقة كلب الغابة الإسرائيلية القاتلة، والرسالة الأساسية هي أن الأزمات ليست نهاية الطريق، بل فرصة لإعادة التفكير في كيفية إدارة المال وبناء الثروة.. ولكن كيف؟ و»اجتماعات الربيع» التي حضرها قادة المال والأعمال وصناع القرار العالميون، أنهت فعالياتها من دون حل لرسوم ترمب الجمركية دون جدوى بمعاناة ليست قصيرة الأجل بل معاناة قد يطول أجلها.