أ.د. محمد خير محمود البقاعي
يعود هذا المفهوم الذي صغته لتوصيف حالات أثارت جدلاً في الأوساط الثقافية والدينية العربية والإسلامية؛ إنها مسألة اعتناق علماء وأدباء من شتى المجالات الإسلام، واحتدام الجدل عن مصداقية هذه الهداية التي يفرح بها المسلمون حباً بدينهم، ويسخر منها غير المسلمين.
لقد كان التجسس، والهوى الديني والمنافع المحصلة أسباباً لدى معارضي هذا الفعل الإنساني من غير المسلمين. أما المسلمون فقد سلكوا مسار الفرح، ومسار الشك وفق معايير تختلف من شخص إلى آخر ومن عصر إلى عصر. لقد اخترع في بعض الأحايين بعض المسلمين من دول عربية وإسلامية مناسبات وأحداثا لا صحة لها لإثبات حالات هداية كانوا يجدونها كسبا لدينهم. من ذلك ما نسجته فئة عن إسلام الروائي والشاعر الفرنسي الكبير فكتور هوغو، صاحب الروايتين المشهورتين «البؤساء»، و»أحدب نوتردام».
فقد جاء على مواقع التواصل الاجتماعي خبر عجيب عن ملابسات إسلامه، واتضح بعد استقصاء وبحث قام به الدكتور لويس بلان أن ما فيه قصة من نسج الخيال. وقد جاء في مقالة على موقع «اليوم السابع» بتاريخ الاثنين، 26 فبراير 2018م» بعنوان: «هل اعتنق فيكتور هوجو الإسلام وسمى نفسه (أبو بكر)؟»
كتبها أحمد إبراهيم الشريف. يقول: «وأصحاب فكرة إسلام فيكتور هوجو يعتمدون على القصائد التي قالها في مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى أن المركز الوطني للأبحاث العلمية الفرنسي حذف كل قصائد «هوجو» عن الإسلام من على موقعه الإليكترون.
ويؤكدون أن الجماعات الصهيونية والماسونية والمتعصبين أخفوا إسلام فيكتور هوجو منعاً لتأثير ذلك الأمر الخطير في الآخرين، فيما يصف المعارضون ذلك بأنه هراء، وأن المسلمين لا يجيدون إلا ترديد وترويج الإشاعات».
وكتب علي المقري في مجلة «المجلة» بتاريخ 16 أكتوبر 2024م مقالة بعنوان: «إسلام فيكتور هوغو... حقيقة أم التباس؟ علاقة روحية بدأت بالخوف وتطوّرت إلى الإعجاب».
راجع فيها كتاب لويس بلان وانتهى إلى ما انتهى إليه سابقه.
ومن الطرائف أن السيد بلال خماش كتب على موقع مدار الساعة بتاريخ 4/7/2020م، مقالا بعنوان: «كيف اعتنق فِيْكْتُور هُوجُو الإسلام؟».
قال فيه: «أعلن إسلامه في فرنسا، ونطق بالشهادتين أمام الشيخ الجزائري إبراهيم التلمساني في عام 1881 وغيَّر اسمه إلى، أبوبكر هوجو، وبقي مسلماً حتى توفاه الله عام 1885م».
وقد استقصى الدكتور بلان هذا الأمر ووجد أن المفتي لا وجود له، وأن الخبر ملفق كما أخبرني. وتأملت ما ذكرته فوجدت أن الأمر يحتاج إلى مصطلح يجمع كل أولئك الذين ثار الجدل عن إسلامهم، ولم تجد الأطراف حلاً يرضي الجميع؛ فاقترحت في سلسلة من المقالات والمراجعات التي ستنشر بعون الله متتابعة هذا المصطلح «الإسلام الثقافي» لتسمية هذه الحالات التي يدور الجدل حولها، وينضوي تحت لوائها كوكبة من الغربيين والشرقيين ومن كل الأجناس الذين وصفوا بالمسلمين.
إن الإسلام إعجاب بالشرائع التي شرعها الله وأنزلها في القرآن وتضمنها الحديث النبوي الصحيح، وهو أيضاً عبادات وأخلاق، ولا يُسمى المسلم مسلماً إلا باكتمال المسارين المذكورين.
هل روجيه غارودي الذي يقول: «أدخل الإسلام وفي يميني القرآن وفي يساري رأس المال»، ولم يعرف عنه ممارسة العبادات، ومثله عدد كبير من الذين ينضوون تحت لواء هذا المصطلح، بل إن بعض من أسلم قديماً وحديثاً في سياق التجسس كان لا بد له من إظهار محبة الإسلام. إن المفهوم قديم وسأورد مرئيات عنه منذ زمن الهجرة الأولى للمسلمين حتى يوم الناس هذا.
نبذة عن فكتور هوغو (1802- 1885م)
شاعر وكاتب دراما وروائي ورسام رومنتيكي فرنسي، واحد من أهم كتَّاب اللغة الفرنسية، أظهر كل الاحترام لشخصية النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).
نص المراجعة:
أحد عشر قرناً تفصل بينهما.
وقربت بينهما الروحانية.
مؤلف «البؤساء» كان يهتم كل الاهتمام بالروحانية والتصوّف.
لقد انغمس كل الانغماس في الروحانية بعد وفاة ابنته الوحيدة غرقاً، في المرحلة الثانية من حياته.
بين عامي (1858-1859)
فكتب ثلاث قصائد عظيمة عن الإسلام نشرت في ديوانه «أسطورة القرون» «La Légende des siècles».
فعل ذلك بينما كان كره الإسلام مسيطراً، ولكنه قدم مع ذلك صورة إيجابية عن هذا الدين.
تشكل الـ25 ألف بيت التي يحتويها هذا الديوان، الذي نشر على ثلاث مراحل. كانت أولاها «الملاحم الصغيرة» «Les petites épopées»،
تحتوي على ثلاث قصائد عن الإسلام «السنة التاسعة للهجرة» «L’An neuf de l’Hégire»، «محمد»، «Mahomet» وشجرة السدر «Le Cèdre».
يكشف لويس بلان Louis Plin في كتابه الصادر عام 2023م بعنوان «فكتور هوغو والإسلام»
«Victor Hugo et l’Islam» الصادر عن دار نشر إيريك بونييه Erick Bonnier، ضمن سلسلة «مداد الشرق» «يكشف جانباً مجهولاً من أعمال هذا العملاق من عمالقة الأدب الفرنسي.
ولويس بلان مستعرب مختص بدراسة العالم العربي، أدار عددا من البعثات الدبلوماسية في مصر والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص. يدير حالياً برنامجاً بحثياً بعنوان «اتجاهات الشرق الأوسط» في المعهد الجامعي الأوروبي في فلورنسا (إيطاليا).
يعلمنا كتاب «فكتور هوغو والإسلام» أن: «محمداً والإسلام يرد ذكرهما فيما يقارب مئة موضع من أعمال هوغو. لقد كان يبحث في القرآن عن طريق يسلكه إلى سر الألوهية. وقد وجد في النبي محمد نموذجاً يقتدى به. لقد كان الإسلام لدى هوغو نبعا يروي عطشه الأخروي، ومصدر إلهام وتأمل في سعيه الحثيث إلى الروحانية.
لقد تجاوز فكتور هوغو الأحكام المسبقة المعادية للإسلام التي عرفها في صباه، تجاوزها بفضل نضجه وانفتاحه على التعايش (تعزيز الوحدة داخل المجتمع المسيحي) مما سمح له باكتشاف غنى العقيدة الإسلامية.
وتصنف قصائده بين أجمل القصائد التي لم يكتب مثلها قط شاعر غير مسلم عن الإسلام ونبي الإسلام.
ولم يكد النقد مع ذلك يقف عند مكانة هذا الجانب في فنه.
يستكشف كتاب «فكتور هوغو والإسلام» للمرة الأولى مساراً ثرياً ومجهولاً. «إنه يجمع بين تحليل الجانب الديني عند فكتور هوغو، وعن الطريقة التي أخصب بها الإسلام شعره لإبراز الدور الذي أداه هذا الدين في إبداعه، وبالتالي، في التراث الأدبي الفرنسي».
يؤكد لويس بلان في صحيفة لوريان- لو جور L›orient-le jour بتاريخ (23/1/2023 م) قائلاً:
«إن الإسلام أثرى تجربة فكتور هوغو بموارد إلهام ثرية كل الثراء.. فشعره يصنف بين أجمل ما احتجنته الصفحات مما كتبه غير المسلمين عن الإلهام».
إن ما يدهش، لأن النقد لم يسبق له البتة أن وقف عنده، هي المكانة التي يتبوؤها الشعر ذو النزعة الإسلامية في إبداع فكتور هوغو. لقد رفض 67 ناشراً نشر كتاب «فكتور هوغو والإسلام»، ثم نشر في سلسلة منشورات إيريك بونييه éditions Erick Bonnier.
وقد دفع هذا لويس بلان إلى القول: «تفصح هذه المغامرة بدلالتها الفريدة العجز المتأصل الذي ينتاب نزعة كره الإسلام في بلدنا» (مؤتمر في المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية. باريس، 19/10/2023م).
يرمي الكتاب في رأي مؤلفه إلى «إعادة موضعة إبداع فكتور هوغو في الرؤية الفرنسية للإسلام، وإلى التركيز على التفاوت بين الانتقاص منه اليوم، وبين الاحترام الذي كان يخصه به الكاتب الكبير».
يتابع بلان قائلاً: «أظن لو أننا نقرأ فكتور هوغو اليوم بعين التسامح لوجدنا أن ذلك يمكن أن يساعد في اندماج أفضل للإسلام في مجتمعاتنا».
ويقول أيضاً: «سيكون ذلك مصدر فخر للمسلمين، ووسيلة لتهدئة روع غير المسلمين؛ لأن أدباءهم العظام: ألكسندر دوما (1802- 1870م) Alexandre Dumas، وألفونس دو لامارتين (1790- 1869م) Alphonse de Lamartine ، وفكتور هوغو يكنون كل الاحترام لهذا الدين».
لقد تملك الإعجاب فكتور هوغو عندما قرأ القرآن أول مرة عام (1846م).
لقد اكتشف فيه عوالم جديدة تتفق معها عوالمه.
لقد كان من قبل يكثر القراءة في أعمال صديقيه لامارتين وألكسندر دوما اللذين نشر كل منهما سيرة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في عامي (1854م، و1856م).
هل اهتدى فكتور هوغو إلى الإسلام؟ يجيب لويس بلان عن هذا السؤال بالقول: إذا كان فكتور هوغو قد تماهى مع النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) فإن ذلك وحده لا يكفي لكي نجعل منه مسلماً، ولكنه فتح للإسلام باباً مشرعاً للاندماج في الإرث الأدبي الفرنسي.
يمكننا إن نحترم الإسلام دون أن نعتنقه. لقد أحصيت في مجموع أعمال هوغو سبع قصائد خص بها الإسلام، وعشرة أخرى جرت فيها الإشارة إليه إشارات عابرة.
لقد وجد هوغو في الإسلام منبعا للإلهام، وإجابات عن تساؤلاته الوجودية.
ليس المهم في هذا السياق أن نعرف ما إذا كان قد اعتنق الإسلام في شيخوخته، بل الأهم هو أن نثمّن ما قدمه في حياته لفضيلة التآخي بين الشرق والغرب.
إن قصيدة «السنة التاسعة للهجرة» «L’An neuf de l’Hégire»، قصيدة تأبينية نظمها فكتور هوغو بتاريخ (15 يناير 1858م) مهداة إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) هي أطول قصائد الشعر الفرنسي التي نظمت عن النبي.
وأتقاسم معكم متعة مقطع صغير من القصيدة يصف النبي وهو في مرضه الأخير:
يقول أبوبكر: إن النبي لما رأى انبلاج فجر اليوم الثالث قال:
«لا أستطيع القيام، فاتلُ الكتاب، وأقم الصلاة».
وكانت زوجه عائشة تقف غير بعيد.
وكان النبي يستمع لأبي بكر وهو يتلو القرآن، وينهي في الغالب الآيات بصوت منخفض.
لقد كانوا يبكون وهم يصلون على الهيئة التي وصفناها.
وما إن حل المساء حتى كان ملك الموت عند الباب، يطلب الإذن للدخول.
«فليدخل»
حينئذ رأينا النور ينبعث من ناظريه المتوهجين كتوهجهما عند ولادته؛ وقال له المَلاَك:
«إن إرادة الله قضت بانتهاء أجلك،
فأجاب: سمعاً وطاعة».
لقد سرت رعشة على صدغيه، والنَّفَس يتردد فيحرك شفته.
لقد لقي محمد وجه ربه.
كتبت هذه المراجعة السيدة سمية نعمان جسوس: باحثة، مختصة بعلم الاجتماع، وناشطة نسوية مغربية.
نشرت المراجعة بتاريخ 24/5/2024م. على موقع «العربية 360» بتاريخ 24/05/2024