يحيى العلكمي
ما أزال على يقين حتى اللحظة التي أكتب فيها هذا المقال أن كتابةَ النّص المسرحي لن تكون مطواعةً كما يراد لها، وبحسب الخطة أو (المعالجة) التي يرسمها المؤلفُ قبيل البدء في أول الفصول أو المشاهد؛ إذ لا بد من تلك المخاتلة المحمودة والمراوغة في آنٍ، وقد يسير الكاتب في مستهل الفعل الكتابي وفقَ المنهج الذي ارتضاه، لكن ما إن تبدأ دراما الأحداث في السخونة، ثم الاقتراب من بعضها بعضًا من أجل عملية الجَدْل (بتسكين الدال) حتى يقفز إلى الذهن وهو في حالته تلك سؤالُ المخاتلة المشار إليها: ماذا لو؟
ينطرحُ هذا السؤال على استحياء وبالبراءة التي لا تنمُّ عمَّا وراءها من مقاومة للخطة الدرامية، فيستثمر تنامي الصراع، والانغماسَ الكتابيّ، وصيرورةَ الشخصيات، ليوقف كلَّ هذا وبهمسة صارخة: ماذا لو؟ ماذا لو تصرّفَت هذه الشخصيةُ بعكس ما رُسم لها من أبعاد؟ وماذا لو تلاشى ذلك الحدثُ ليستحيل حدثاً مغايرًا وصادمًا؟ ماذا لو لم نمهّد بهذا الحوار الهادئ، وجعلناه حواراً مفاجئاً كاشفًا وباعثاً على تصاعد واثب غيرِ متوقع؟ وهكذا تتغلغل الـ (ماذا لو) لتبدأ المسرحية في حالة «انكتاب» قسري يأخذ بتلابيب الخطوط الدرامية إلى مناطق فعلٍ لم تعمل عليها المعالجةُ الأولى، ولم تدرْ -سابقا- في خَلد الكاتب المرتهن إلى معالجة أخرى محدثة، فرضها السؤال المقتحم.
والحق أنّ هذا السؤال التنبؤي هو الحالة الإبداعية المرومة من كلّ كاتب، فهو القادر -وفق ما يفتحه من مغاليق درامية في إطار الفكرة العامة- على صياغة إجابات الدراما التشويقية القارّة في ذهن المتلقي (قارئاً كان أم مشاهداً) والتي مبعثُها سؤالُ التلقي المتطلّع إلى التالي من الأحداث في سيرورتها.
النّص المسرحيّ المكتوب ينبغي أن يكون حافلا -إبداعياً- بتنبؤية (ماذا لو؟) لينعتق من النمطية المعتادة؛ وليدفع بسؤال التلقّي الذي لا يفتأ متطلّعًا ومدوّياً: ماذا بعد؟